الثَّالِثُ: أَنَّ الْخَضِرَ أَقْدَمَ عَلَى قَتْلِ ذَلِكَ الْغُلَامِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلْوَحْيِ إِلَيْهِ مِنَ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ.
وَهَذَا دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَبُرْهَانٌ ظَاهِرٌ عَلَى عِصْمَتِهِ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِ النُّفُوسِ بِمُجَرَّدِ مَا يُلْقَى فِي خَلَدِهِ، لِأَنَّ خَاطِرَهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ الْعِصْمَةِ، إِذْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَلَمَّا أَقْدَمَ الْخَضِرُ عَلَى قَتْلِ ذَلِكَ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ إِذا بلغ يكفر، وَيحمل أَبَوَيْهِ على الْكفْر لشدَّة محبتها لَهُ فَيُتَابِعَانِهِ عَلَيْهِ، فَفِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ تَرْبُو عَلَى بَقَاءِ مُهْجَتِهِ، صِيَانَةً لِأَبَوَيْهِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ وَعُقُوبَتِهِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَأَنَّهُ مُؤَيَّدٌ مِنَ اللَّهِ بِعِصْمَتِهِ.
وَقَدْ رَأَيْتُ الشَّيْخَ أَبَا الْفَرَجِ ابْنَ الْجَوْزِيِّ طَرَقَ هَذَا الْمَسْلَكَ بِعَيْنِهِ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى نُبُوَّةِ الْخَضِرِ وَصَحَّحَهُ.
وَحَكَى الِاحْتِجَاجَ عَلَيْهِ الرُّمَّانِيُّ أَيْضًا.
الرَّابِع: أَنه لما فسر الْخضر تَأْوِيل الْأَفَاعِيلِ لِمُوسَى وَوَضَّحَ لَهُ عَنْ حَقِيقَةِ أَمْرِهِ وَجَلَّى، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ: " رَحْمَةً مِنْ رَبك وَمَا فعلته عَن أمرى " يَعْنِي مَا فَعَلَتْهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، بَلْ [أَمر (١) ] أُمِرْتُ بِهِ وَأُوحِيَ إِلَيَّ فِيهِ.
فَدَلَّتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ عَلَى نُبُوَّتِهِ.
وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ حُصُولَ ولَايَته، بل وَلَا رسَالَته، كَمَا قَالَه آخَرُونَ.
وَأما كَونه ملكا من الْمَلَائِكَة [فَقَوْل (١) ] غَرِيب جِدًّا، وَإِذَا ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ، لَمْ يبْق لمن قَالَ بولايته
(١) من: ا (*)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute