للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النسور وَحمل فرسانه كريد (١) العقبان، يعيدون الْعمرَان خرابا والقرى وحشا ويعثون فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَيُتَبِّرُونَ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا، قاسية قُلُوبهم لَا يكترثون وَلَا يرقبون وَلَا يَرْحَمُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ، يَجُولُونَ فِي الْأَسْوَاقِ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ مِثْلَ زَئِيرِ الْأُسْدِ تَقْشَعِرُّ مِنْ هَيْبَتِهَا الْجُلُودُ وَتَطِيشُ مِنْ سَمْعِهَا الْأَحْلَامُ بِأَلْسِنَةٍ لَا يَفْقَهُونَهَا وَوُجُوهٍ ظَاهِرٌ عَلَيْهَا الْمُنْكَرُ لَا يَعْرِفُونَهَا.

فَوَعِزَّتِي لَأُعَطِّلَنَّ بُيُوتَهُمْ مِنْ كُتُبِي وَقُدُسِي وَلَأُخْلِيَنَّ مَجَالِسَهُمْ مِنْ حَدِيثِهَا وَدُرُوسِهَا وَلَأُوحِشَنَّ مَسَاجِدَهُمْ مِنْ عُمَّارِهَا وَزُوَّارِهَا الَّذِينَ كَانُوا يَتَزَيَّنُونَ بِعِمَارَتِهَا لِغَيْرِي وَيَتَهَجَّدُونَ فِيهَا وَيَتَعَبَّدُونَ لِكَسْبِ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، وَيَتَفَقَّهُونَ فِيهَا لِغَيْرِ الدِّينِ وَيَتَعَلَّمُونَ فِيهَا لِغَيْرِ الْعَمَلِ، لَأُبَدِّلَنَّ مُلُوكَهَا بِالْعِزِّ الذُّلَّ وَبِالْأَمْنِ الْخَوْفَ وَبِالْغِنَى الْفَقْرَ وَبِالنِّعْمَةِ الْجُوعَ وَبِطُولِ الْعَافِيَة والرخاء ألوان الْبَلَاءِ، وَبِلِبَاسِ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ مَدَارِعَ الْوَبَرِ وَالْعَبَاءَ، وَبِالْأَرْوَاحِ الطَّيِّبَةِ وَالْأَدْهَانِ جِيَفَ الْقَتْلَى، وَبِلِبَاسِ التِّيجَانِ أَطْوَاقَ الْحَدِيدِ وَالسَّلَاسِلَ وَالْأَغْلَالَ، ثُمَّ لَأُعِيدَنَّ فِيهِمْ بَعْدَ الْقُصُورِ الْوَاسِعَةِ وَالْحُصُونِ الْحَصِينَةِ الْخَرَابَ، وَبَعْدَ الْبُرُوجِ الْمُشَيَّدَةِ مَسَاكِنَ السِّبَاعِ وَبَعْدَ صَهِيلِ الْخَيْلِ عُوَاءَ الذِّئَابِ، وَبَعْدَ ضَوْءِ السِّرَاجِ دُخَانَ الْحَرِيقِ، وَبَعْدَ الْأُنْسِ الْوَحْشَةَ وَالْقِفَارَ.

ثُمَّ لَأُبَدِّلَنَّ نِسَاءَهَا بِالْأَسْوِرَةِ الْأَغْلَالَ وَبِقَلَائِدِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ سَلَاسِلَ الْحَدِيدِ، وبألوان الطّيب والادهان النَّفْع وَالْغُبَارَ، وَبِالْمَشْيِ عَلَى الزَّرَابِيِّ عُبُورَ الْأَسْوَاقِ وَالْأَنْهَارِ وَالْخَبَبَ إِلَى اللَّيْلِ فِي بُطُونِ الْأَسْوَاقِ وَبِالْخُدُورِ وَالسُّتُورِ الْحُسُورَ عَنِ الْوُجُوهِ وَالسُّوقِ وَالْإِسْفَارَ وَالْأَرْوَاحِ السَّمُومَ ثُمَّ لَأَدُوسَنَّهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْكَائِنُ مِنْهُمْ فِي حَالِقٍ لَوَصَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، إِنِّي إِنَّمَا أُكْرِمُ مَنْ أَكْرَمَنِي وَإِنَّمَا أهين من هان عَلَيْهِ أمرى.


(١) الاصل: كسرب العقبان.
وَمَا أثْبته من تَارِيخ الطَّبَرِيّ ٦٦١ ط أوربا.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>