للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- أخذ المسلمين بزمام المبادرة في هذا اللون من الحوار، إذ هو استجابة لطبيعة دينهم، ويتحقق ذلك باستضافتهم في دار المسلمين، واستقبال وفودهم، والكتابة إليهم، وغشيانهم في محافلهم وبيوتهم لدعوتهم، إذ الدعوة والبلاغ واجب المسلم بمقتضى إسلامه.

- تغلب الصفة والعلاقات الشخصية على هذا اللون من ألوان الحوار الذي يبتعد عن الصفة الرسمية التي تغلب على حوار التعامل والتعايش كما سيتبين في حينه.

والمتتبع لما ورد ذكره في القرآن عن أحوال الأنبياء يظهر له أهمية هذا اللون من ألوان الحوار، الذي لم تُغفِله دعوة نبي منهم أو مصلح ممن تبعهم بإحسان.

فها هو نوح عليه السلام يجادل ويحاور قومه قروناً طويلة، من غير كلل ولا ملل، دعاهم ليلاً ونهاراً، أسر لهم، وأعلن لهم جهاراً، فقالوا: {يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} (هود: ٣٢).

وعلى هذا الهدي سار أنبياء الله من بعد نوح، فقصَّ الله علينا في القرآن حوار إبراهيم مع النمرود، وحوار موسى مع فرعون، بل وذكر لنا الكثير من حوار الأنبياء مع أقوامهم.

قال ابن تيمية: " فأما المجادلة الشرعية كالتي ذكرها الله تعالى عن الأنبياء عليهم السلام وأمر بها في مثل قوله تعالى: {قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا} (هود: ٣٢) وقوله: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} (الأنعام: ٨٣) وقوله: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه} (البقرة: ٢٥٨) وقوله: {وجادلهم بالتي هي أحسن} (النحل: ١٢٥) وأمثال ذلك فقد يكون واجباً أو مستحباً، وما كان كذلك لم يكن مذموماً في الشرع". (١)

وأرسل الله محمداً خاتم الرسل داعياً إلى الله ومبشراً بدينه، آمراً إياه بدعوة العالمين إلى هذا الدين: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة


(١) درء تعارض العقل والنقل (٧/ ١٥٦).

<<  <   >  >>