الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، والصلاة والسلام على خير الورى وأهل بيته وصحبه، ومن لإثرهم اقتفى، وبعد.
فإن علم الجرح والتعديل له يعد رأساً من رؤوس هذا العلم المبارك- علم الحديث- الذي شرفنا الله تعالى به، وجعلنا خداماً للسنة المطهرة.
ومن العلوم أن هذا الفن يبحث في أسماء الرواة وبلدانهم، وحديثهم، ... الخ فهو غاية في الدقة، ومن تكلم فيه- كثر، وقليل منهم من أجاد وبرع، بل بعضهم قد يجرح وهو مجروح، أو يعدِّل وهو ليس كذلك- وهم قلة-، ومنهم من حاز الفضلين، ونال الحسنيين في هذا العلم، فهو أسمى من أن يذكر بجرح أو تعديل، ولا يجرئ كبير أحد أن يتكلم في تعديله ناهيك عن تجريحه، فإليه المنتهى في ذلك، وقوله الفصل إذا اختلفت الرجال.
وهؤلاء مصابيح الهدى في هذا العلم المبارك، كـ عبد الرحمن بن مهدي، وشعبة والسفيانيين، وابن المديني وابن معين، وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين، وأحمد البخاري ومسلم .. وغيرهم.
فهؤلاء الأئمة وغيرهم عرفوا الرجال، وعرفوا حديثهم، وعرفوا ما أصاب به ذاك الراوي وما أخطأ فيه، ومن يشتغل بهذا العلم العظيم يعرف قدرهم ومنزلتهم.
وقد استعمل هؤلاء الأئمة في تقييم الرجال ونقدهم مصطلحات كانت متداولة، أو متيسر على طلبة العلم آنذاك معرفتها، وما كانت هذه المصطلحات- يعني أن يصطلح عليها أهل بلد أو صنعة- ولم يصرحوا دائماً بمقصودهم من هاتيك المصطلحات خشق؟؟؟ بعضها على من جاء بعدهم، فذهبوا يستقرءونها من خلال صنيعهم، وهذا الاستقراء مرة يجيء دقيقاً إلى حد كبير بحيث يقارب أو يكاد من مراد الإمام الناقد، وأخرى ينأى بعيداً، بحسب عدد الأمثلة، أو مقدرة المستقرئ وحفظه.
لذا: نجد الخلاف قائماً بين بعض الأئمة من المتأخرين في المقصود من المصطلح كذا أو كذا.