للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأصبح كثيرٌ من الناس لا يعرفون غلوَّ البوصيري إلا من قصيدته البردة، ولا يعرفون ما في البردة من غلوٍّ إلا من هذه الأبيات، فإذا كانت هذه الأبيات مفسَّرة ومبرَّرة، سلِمتِ البردة وسلِم البوصيري، فينتقل اللوم إذاً إلى منتقديه المتشددين! والرجل -كما يزعمون- إمامٌ عالمٌ عاملٌ صالحٌ زاهدٌ....، وقصيدته البردة زهراء غراء يتبرك بها الناس وفيها شفاء لأمراضهم إلى آخره، وهذه الأوصاف مذكورة في كتبهم (١) .

فهل صحيح أن بردة البوصيري ليس فيها من الغلو إلا هذه الأبيات؟ بل هل صحيح أن البوصيري إمامٌ عالمٌ عاملٌ وقصائده سواء البردة أو غيرها تخلو من الغلو؟! هذا ما أردت بيانه في هذه المقالة.

أما البوصيري فهو أبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري، مصري النشأة، مغربي الأصل، شاذلي الطريقة (٢) .


(١) انظر على سبيل المثال: (بردة المديح المباركة) (ص٩) و (العمدة شرح البردة) (ص ٤١) .
(٢) كان على صلة بأبي الحسن الشاذلي صاحب الطريقة المشهورة عند الصوفية ولما مات لازم تلميذه ووارث طريقته أبا العباس المرسي، يقول مادحا الشاذلي وطريقته كما في (ديوان البوصيري للطباع) (ص ١٠٥) :
إن الإمام الشاذلي طريقه ... في الفضل واضحة لعين المهتدي
فانقل ولو قدما على آثاره ... فإذا فعلت فذاك آخذ باليد
واسلك طريق محمدي شريعة ... وحقيقة ومحمدي المحتد
ويقول مادحا أبا العباس المرسي كما في (ديوان البوصيري للطباع) (ص ١٠٨) :
تصحب أبا العباس أحمد آخذاً ... يدا عارف بوعي النفوس منجد
فإذا سقطت على الخبير بدائها ... فاصبر لمر دوائه وتجلد

<<  <   >  >>