ولم يستطع أن يوفر لنفسه أسباب العزة والمنعة، فعليه أن يهجر هذا المكان إلى غيره فِرَارًا بنفسه أن يستضعف أو يستذل، وهو لا بد واجد فَرَجًا وَسَعَةً {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}[النساء: ١٠٠]. فَإِنْ أَنِسَ إلى ما هو فيه وسكت عليه وهو قادر على الهجرة فقد ظلم نفسه وكفر بربه ولن ينفعه ادعاؤه الإسلام شَيْئًا، لأنه رضي لنفسه أَنْ يُسْتَضْعَفَ، ويأبى الله والإسلام أن يخلد المسلم للذل أو يستكين للاستضعاف والاستغلال.
ولقد حرص الإسلام على أن يمنع المسلم من الإقامة بين ظهراني غير المسلمين لأن إقامته بينهم تشعره بالوحدة والضعف، وتربي فيه روح الاستخذاء والاستكانة، وقد تدعوه إلى المحاسنة ثم المتابعة، والإسلام يريد للمسلم أن يمتلئ قوة وعزة وأن يكون متبوعًا لا تابعًا، وأن يكون ذا سلطان ليس فوقه إلا سلطان الله. ومن أجل هذا حَرَّمَ الإسلام على المسلم أن يقيم في بلد لا سلطان للإسلام فيه إلا إذا استطاع أن يظهر إسلامه، ويعمل طِبْقًا لعقيدته دون أن يخشى الفتنة على نفسه، وإلا فعليه أن يهجر هذا البلد إلى بلد يعلو فيه سلطان الإسلام، فإن لم يفعل فالإسلام بريء منه ما دام قادرًا على الهجرة، وفي ذلك كله يقول الله - جَلَّ شَأْنُهُ -: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، إِلاَّ