للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِنْهَا حَائِطُ فَخٍّ، وَهُوَ قَائِمٌ إِلَى الْيَوْمِ وَمِنْهَا حَائِطُ بَلْدَحَ فَهَذِهِ الْعُيُونُ الْعَشْرُ أَجْرَاهَا مُعَاوِيَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَاتَّخَذَهَا بِمَكَّةَ وَاتُّخِذَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِبَلْدَحَ عُيُونٌ سِوَاهَا، مِنْهَا: عَيْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِبَلْدَحَ، وَهِيَ قَائِمَةٌ إِلَى الْيَوْمِ وَحَائِطُ سُفْيَانَ وَالْخَيْفُ الَّذِي أَسْفَلَ مِنْهُ، وَهُمَا الْيَوْمَ لِأُمِّ جَعْفَرٍ وَكَانَتْ عُيُونُ مُعَاوِيَةَ تِلْكَ قَدِ انْقَطَعَتْ وَذَهَبَتْ، فَأَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الرَّشِيدُ بِعُيُونٍ مِنْهَا فَعُمِلَتْ وَأُحْيِيَتْ وَصُرِفَتْ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ يُقَالُ لَهَا الرَّشَا، تَسْكُبُ فِي الْمَاجِلَيْنِ اللَّذَينِ أَحَدُهُمَا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الرَّشِيدِ بِالْمَعْلَاةِ ثُمَّ تَسْكُبُ فِي الْبَرَكَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ كَانَ النَّاسُ بَعْدُ يَقْطَعُ هَذِهِ الْعُيُونَ فِي شِدَّةٍ مِنَ الْمَاءِ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْحَاجُّ يَلْقَوْنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَشَقَّةَ، حَتَّى إِنَّ الرَّاوِيَةَ لَتَبْلُغُ فِي الْمَوْسِمِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ الْمَاءِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّ جَعْفَرٍ بِنْتَ أَبِي الْفَضْلِ جَعْفَرٍ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَنْصُورِ، فَأَمَرَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ بِعَمَلِ بِرْكَتِهَا الَّتِي بِمَكَّةَ، فَأَجْرَتْ لَهَا عَيْنًا مِنَ الْحَرَمِ، فَجَرَتْ بِمَاءٍ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِيٌّ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَقَدْ غَرِمَتْ فِي ذَلِكَ غُرْمًا عَظِيمًا فَبَلَغَهَا، فَأَمَرَتْ جَمَاعَةً مِنَ الْمُهَنْدِسِينَ أَنْ يُجْرُوا لَهَا عُيُونًا مِنَ الْحِلِّ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: إِنَّ مَاءَ الْحِلِّ لَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ؛ لِأَنَّهُ يَمُرُّ عَلَى عِقَابٍ وَجِبَالٍ فَأَرْسَلَتْ بِأَمْوَالٍ عِظَامٍ، ثُمَّ أَمَرَتْ مَنْ يَزِنُ عَيْنَهَا الْأُولَى، فَوَجَدُوا فِيهَا فَسَادًا، فَأَنْشَأَتْ عَيْنًا أُخْرَى إِلَى جَانِبِهَا، وَأَبْطَلَتْ تِلْكَ الْعُيُونَ، فَعَمِلَتْ عَيْنَهَا هَذِهِ بِأَحْكَمِ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَمَلِ، وَعَظُمَتْ فِي ذَلِكَ رَغْبَتُهَا، وَحَسُنَتْ نِيَّتُهَا، فَلَمْ تَزَلْ تَعْمَلُ فِيهَا حَتَّى بَلَغَتْ ثَنِيَّةَ خَلٍّ، فَإِذَا الْمَاءُ لَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ، فَأَمَرَتْ بِالْجَبَلِ فَضُرِبَ فِيهِ، وَأَنْفَقَتْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَمْ يَكُنْ تَطِيبُ بِهِ نَفْسُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى أَجْرَاهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا، وَأَجْرَتْ فِيهَا عُيُونًا مِنَ الْحِلِّ، مِنْهَا عَيْنٌ مِنَ الْمُشَاشِ، وَاتَّخَذَتْ لَهَا بِرَكًا تَكُونُ السُّيُولُ إِذَا جَاءَتْ تَجْتَمِعُ فِيهَا، ثُمَّ أَجْرَتْ لَهَا عُيُونًا مِنْ حُنَيْنٍ، وَاشْتَرَتْ حَائِطَ حُنَيْنٍ، فَصَرَفَتْ عَيْنَهُ إِلَى الْبِرْكَةِ، وَجَعَلَتْ حَائِطَهُ سَدًّا يَجْتَمِعُ فِيهِ السَّيْلُ، فَصَارَتْ لَهَا مَكْرُمَةٌ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ قَبْلَهَا، وَطَابَتْ نَفْسُهَا بِالنَّفَقَةِ فِيهَا بِمَا لَمْ تَكُنْ تَطِيبُ نَفْسُ أَحَدٍ غَيْرِهَا بِهِ، فَأَهْلُ مَكَّةَ وَالْحَاجُّ إِنَّمَا يَعِيشُونَ بِهَا بَعْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ أَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُونُ صَالِحَ بْنَ الْعَبَّاسِ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ بِرَكًا فِي السُّوقِ خَمْسًا؛ لِئَلَّا يَتَعَنَّى أَهْلُ أَسْفَلِ مَكَّةَ وَالثَّنِيَّةِ وَأَجْيَادِينَ وَالْوَسَطِ إِلَى بِرْكَةِ أُمِّ جَعْفَرٍ، فَأَجْرَى عَيْنًا مِنْ بِرْكَةِ أُمِّ جَعْفَرٍ مِنْ فَضْلِ مَائِهَا فِي عَيْنٍ تَسْكُبُ فِي بِرْكَةِ الْبَطْحَاءِ عِنْدَ شِعْبِ ابْنِ يُوسُفَ فِي وَجْهِ دَارِ ابْنِ يُوسُفَ، ثُمَّ يَمْضِي إِلَى بِرْكَةٍ عِنْدَ الصَّفَا، ثُمَّ يَمْضِي إِلَى بِرْكَةٍ عِنْدَ الْحَنَّاطِينَ، ثُمَّ يَمْضِي إِلَى بِرْكَةٍ بِفُوَّهَةِ سِكَّةِ الثَّنِيَّةِ دُونَ دَارِ أُوَيْسٍ، ثُمَّ يَمْضِي إِلَى بِرْكَةٍ عِنْدَ سُوقِ الْحَطَبِ بِأَسْفَلِِ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْضِي فِي سَرَبِ ذَلِكَ إِلَى مَاجِلِ أَبِي صَلَايَةَ، ثُمَّ إِلَى الْمَاجِلَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي حَائِطِ ابْنِ طَارِقٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، وَكَانَ صَالِحُ بْنُ الْعَبَّاسِ لَمَّا فَرَغَ مِنْهَا رَكِبَ بِوُجُوهِ النَّاسِ إِلَيْهَا، فَوَقَفَ عَلَيْهَا حِينَ جَرَى فِيهَا الْمَاءُ، وَنَحَرَ عِنْدَ كُلِّ بِرْكَةٍ جَزُورًا، وَقَسَمَ لَحْمَهَا عَلَى النَّاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>