غَيْرَهُمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمْ بَاقِيَةٌ. فَلَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ، وَتَمَادَوْا فِي هَلَكَةِ أَنْفُسِهِمْ. قَالُوا: ثُمَّ إِنَّ جُرْهُمًا وَقَطُورَا خَرَجُوا سَيَّارَةً مِنَ الْيَمَنِ، وَأَجْدَبَتْ بِلَادُهُمْ عَلَيْهِمْ، فَسَارُوا بِذَرَارِيِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَقَالُوا: نَطْلُبُ مَكَانًا فِيهَا وَمَرْعًى تَسْمَنُ فِيهِ مَاشِيَتُنَا، وَإِنْ أَعْجَبَنَا أَقَمْنَا فِيهِ، فَإِنَّ كُلَّ بِلَادٍ يَنْزِلُهَا أَحَدٌ وَمَعَهُ ذُرِّيَّتُهُ وَمَالُهُ فَهِيَ وَطَنُهُ، وَإِلَّا رَجَعْنَا إِلَى بَلَدِنَا. فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ وَجَدُوا فِيهَا مَاءً طَيِّبًا، وَعِضَاهًا مُلْتَفَّةً مِنْ سَلَمٍ وَسَمُرٍ، وَنَبَاتًا يُسْمِنُ مَوَاشِيَهُمْ، وَسَعَةً مِنَ الْبِلَادِ، وَدِفْئًا مِنَ الْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَجْمَعُ لَنَا مَا نُرِيدُ. فَأَقَامُوا مَعَ الْعَمَالِيقِ، وَكَانَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ قَوْمٌ إِلَّا وَلَهُمْ مَلِكٌ يُقِيمُ أَمْرَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةً فِيهِمْ وَلَوْ كَانُوا نَفَرًا يَسِيرًا، فَكَانَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو مَلِكً جُرْهُمٍ وَالْمُطَاعَ فِيهِمْ، وَكَانَ السَّمَيْدَعُ مَلِكَ قَطُورَا، فَنَزَلَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو أَعْلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا، وَكَانَ حَوْزُهُمْ وَجْهَ الْكَعْبَةِ وَالرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَالْمَقَامَ وَمَوْضِعَ زَمْزَمَ مُصْعِدًا يَمِينًا وَشِمَالًا وَقُعَيْقِعَانَ إِلَى أَعْلَى الْوَادِي، وَنَزَلَ السَّمَيْدَعُ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَأَجْيَادِينَ، وَكَانَ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَكَانَ حَوْزُهُمُ الْمَسْفَلَةَ ظَهْرَ الْكَعْبَةِ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْغَرْبِيَّ وَأَجْيَادِينَ وَالثَّنِيَّةَ إِلَى الرَّمْضَةِ، فَبَنَيَا فِيهَا الْبُيُوتَ وَاتَّسَعَا فِي الْمَنَازِلِ، وَكَثُرُوا عَلَى الْعَمَالِيقِ، فَنَازَعَتْهُمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute