حَدَّثَنِي جَدِّي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْهُذَلِيِّ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَبَثَّ السَّرَايَا فِي كُلِّ جِهَةٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِي فِي مِائَتَيْنِ قِبَلَ يَلَمْلَمَ، وَخَرَجَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي فِي ثَلَاثِمِائَةٍ قِبَلَ عُرَنَةَ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى يَهْدِمُهَا، فَخَرَجَ خَالِدٌ فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْعُزَّى، حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهَا فَهَدَمَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَهَدَمْتَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «هَلْ رَأَيْتَ شَيْئًا؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «فَإِنَّكَ لَمْ تَهْدِمْهَا، فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَاهْدِمْهَا» . فَخَرَجَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ مُتَغَيِّظٌ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهَا جَرَّدَ سَيْفَهُ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا، فَجَعَلَ السَّادِنُ يَصِيحُ بِهَا. قَالَ خَالِدٌ: وَأَخَذَنِي اقْشِعْرَارٌ فِي ظَهْرِي، فَجَعَلَ يَصِيحُ بِهَا وَيَقُولُ:
[البحر الكامل]
أَعُزَّى شُدِّي شَدَّةً لَا تُكَذِّبِي ... أَعُزَّى أَلْقِي الْقِنَاعَ وَشَمِّرِي
أَعُزَّى إِنْ لَمْ تَقْتُلِي الْمَرْءَ خَالِدًا ... فَبُوئِي بِإِثْمٍ عَاجِلٍ أَوْ تَنَصَّرِي
⦗١٢٨⦘
فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالسَّيْفِ إِلَيْهَا وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر الرجز]
يَا عُزَّ كُفْرَانَكِ لَا سُبْحَانَكِ ... إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ
قَالَ: فَضَرَبَهَا بِالسَّيْفِ، فَجَزَلَهَا بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «نَعَمْ، تِلْكَ الْعُزَّى، قَدْ أَيِسَتْ أَنْ تُعْبَدَ بِبِلَادِكُمْ أَبَدًا» ثُمَّ قَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِكَ، وَأَنْقَذَنَا بِكَ مِنَ الْهَلَكَةِ، لَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَبِي يَأْتِي الْعُزَّى بِخَيْرِ مَالِهِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، فَيَذْبَحُهَا لِلْعُزَّى، وَيُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَيْنَا مَسْرُورًا، وَنَظَرْتُ إِلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَبِي، وَإِلَى ذَلِكَ الرَّأْيِ الَّذِي كَانَ يُعَاشُ فِي فَضْلِهِ، وَكَيْفَ خُدِعَ حَتَّى صَارَ يَذْبَحُ لِمَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ، فَمَنْ يَسَّرَهُ لِلْهُدَى تَيَسَّرَ لَهُ، وَمَنْ يَسَّرَهُ لِلضَّلَالَةِ كَانَ فِيهَا» وَكَانَ هَدَمَهَا لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَكَانَ سَادِنُهَا أَفْلَحَ بْنَ النَّضْرِ السُّلَمِيَّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو لَهَبٍ يَعُودُهُ وَهُوَ حَزِينٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا لِي أَرَاكَ حَزِينًا؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَضِيعَ الْعُزَّى مِنْ بَعْدِي. قَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: فَلَا تَحْزَنْ، فَأَنَا أَقُومُ عَلَيْهَا بَعْدَكَ. فَجَعَلَ أَبُو لَهَبٍ يَقُولُ لِكُلِّ مَنْ لَقِيَ: إِنْ تَظْهَرِ الْعُزَّى كُنْتُ قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَهَا يَدًا بِقِيَامِي عَلَيْهَا، وَإِنْ يَظْهَرْ مُحَمَّدٌ عَلَى الْعُزَّى - وَمَا أَرَاهُ يَظْهَرُ - فَابْنُ أَخِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute