(٢) قُيِّدَ الشَّكْلُ - هُنَا - عَلَى ثَلَاثَةِ ضُرُوبٍ، وَبِحَسَبِهِ تَنَازَعَ أَهلُ العِلْمِ فِي أَسْبَقِيَّةِ العَرْشِ أَوِ القَلَمِ فِي الخَلَقِ:فَالضَّرْبُ الأَوَّلُ: بِرَفْعِ (أَوَّل) وَ (القَلَم)، وَذَلِكَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:الأَوَّلُ: لِمَنْ قَالَ بِأَسْبَقِيَّةِ القَلَمِ، فَجَعَلَ سِيَاقَ الحَدِيثِ جُمْلَتَيْنِ مُنْفَصِلَتَيْنِ، وأَخَذَ بِظَاهِرِ الحَدِيثِ.وَالثَّانِي: لِمَنْ قَالَ بِأَسْبَقِيَّةِ العَرْشِ، إِلَّا أَنَّ التَّقْدِيرَ: أَنَّ القَلَمَ أَوَّلُ المَخْلُوقَاتِ مِنْ هَذَا العَالَمِ.وَالضَّربُ الثَّانِي: بِرَفْعِ (أَوَّل) وَنَصْبِ (القَلَم)، وَذَلِكَ عَلَى المَعْنَيَيْنِ نَفْسَيْهِمَا المُتَقَدِّمَيْنِ، وَيَقَعُ عَلَى حَالَتَيْنِ:الأُولَى: على تَقْدِيرِ عَامِلٍ مَحْذُوفٍ؛ هُوَ (كَانَ)، فَيَكُونُ السِّيَاقُ المُقَدَّرُ: (أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ: كَانَالقَلَمَ).وَالثَّانِيَةُ: عَلَى رِوَايَةِ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ: القَلَمَ» - بِزِيَادَةِ (إِنَّ) -، فَيَتَوَجَّهُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّ (القَلَمَ) خَبَرُهَا؛ حَيْثُ يُنْصَبُ الجُزْءَانِ فِي (إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا)، وَهِيَ لُغَةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَبَعْضُهُمْ خَصَّ ذَلِكَ بِـ (لَيْتَ) فَقَطْ.أَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ: فَبِنَصْبِ (أَوَّل) عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَنَصْبِ (القَلَم) عَلَى المَفْعُولِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِأَسْبَقِيَّةِ العَرْشِ، فَجَعَلَ السِّيَاقَ جُمْلَةً واحِدَةً،، وَالمُرَادُ: (أَنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَ القَلَمَ عِنْدَ أَوَّلِ خَلْقِهِ أَنْ يَكُتْبَ)، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الإِسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ؛ قَالَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي «بُغْيَةِ المُرْتَادِ» (ص١٨١): «فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الظَّرْفِ؛ إِذْ (مَا) هِيَ المَصْدَرِيَّةُ، وَهِيَ وَالفِعْلُ بِتَأْوِيلِ المَصْدَرِ الَّذِي يَجْعَلُهُ ظَرْفاً؛ كَمَا يُقَالُ: (أَوَّلَ مَا لَقِيتُ فُلَانًا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: (فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ لُقْيِهِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ)، وَإِذَا كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ خَلْقِهِ هَذَا القَوْلَ؛ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُ مَخْلُوقٍ؛ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ خُلِقَ قَبْلَهُ غَيْرُهُ».(٣) رَوَاهُ أَحْمَدُ (٣٧/ ٣٧٨)، وَالتِّرْمِذِيُّ - وَصَحَّحَهُ - (٣٣١٩)، وَأَبُو دَاوُدَ (٤٧٠٠)، وَالبَزَّارُ فِي «مُسْنَدِهِ» (٧/ ١٣٧ - «البَحْرِ الزَّخَّارِ»)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «ظِلَالِ الجَنَّةِ» (١/ ٤٨ - ٥٠)، وَالوَادِعِيُّ فِي «الجَامِعِ الصَحِيحِ فِي القَدَرِ» (ص١٠٢ - ١٠٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute