للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ : «قَدْ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ اللهُ شَيْئًا قَبْلَ أَجَلِهِ (١)، وَلَنْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ أَجَلِهِ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي القَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ» (٢).

فَفِي هَذَا الحَدِيثِ: أَنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ مَشْرُوعًا نَافِعًا فِي بَعْضِ الأَسْبَابِ دُونَ بَعْضٍ، فَالأَعْمَارُ المُقَدَّرَةُ لَمْ يُشْرَعِ الدُّعَاءُ بِتَغْيِيرِهَا، بِخِلَافِ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ؛ فَإِنَّ الدُّعَاءَ مَشْرُوعٌ لَهُ، نَافِعٌ فِيهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الإِمَامُ أَحْمَدُ يَكْرَهُ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِطُولِ العُمُرِ، وَيَقُولُ: هَذَا فُرِغَ مِنْهُ (٣)، فَتَأَمَّلْ هَذَا؛ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ جِدًّا (٤).

(تَنْبِيهٌ): اعْلَمْ - أَيَّدَكَ اللهُ - أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا أَسْلَفْنَاهُ: أَنَّ حَاصِلَ مَا مَرَّ مِنَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ:

أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي


(١) وَفِي «مُسْلِمٍ» (٢٦٦٣): «قَبْلَ حِلِّهِ»؛ بِكَسْرِ الحَاءِ وَفَتْحِهَا؛ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ مُسْلِمٍ» (١٦/ ٢١٣): «هُمَا لُغَتَانِ، وَمَعْنَاهُ: وُجُوبُهُ وَحِينُهُ؛ يُقَالُ: (حَلَّ الأَجَلُ يَحِلُّ حِلًّا وَحَلًّا)».
(٢) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢٦٦٣).
(٣) رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي «المَسَائِلِ» (ص ٤٤٨)، قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي إِذَا دُعِيَ لَهُ بِالبَقَاءِ يَكْرَهُهُ، وَيَقُولُ: هَذَا شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ.
(٤) الفِقْرَةُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، انْظُرِ «الاسْتِقَامَةَ» (١/ ١٥٧).

<<  <   >  >>