للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَقِيلَ: المَعْنَى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ}؛ أَيْ: هَرِمَ، {وَلَا يُنْقَصُ} آخَرُ مِنْ عُمُرِ ذَلِكَ الهَرِمِ {إِلَّا فِي كِتَابٍ}؛ أَيْ: بِقَضَاءٍ مِنَ اللهِ - تَعَالَى -، رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ (١)، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَالَ القُرْطُبِيُّ: «فَالهَاءُ - عَلَى هَذَا - يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْمُعَمَّرِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِ المُعَمَّرِ» (٢).

وَعَنْ قَتَادَةَ: (المُعَمَّرُ): مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً، وَالمَنْقُوصُ مِنْ عُمُرِهِ: مَنْ يَمُوتُ قَبْلَ سِتِّينَ سَنَةً (٣).

وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} (٤) بِأَنَّ المُرَادَ بِالأَجْلِ الأَوَّلِ: أَجَلُ المَاضِينَ، وَبِالأَجَلِ الثَّانِي: أَجَلُ البَاقِينَ (٥).


(١) أَوْرَدَ النَّحَّاسُ قَوْلَ الضَّحَّاكِ فِي كِتَابِهِ «مَعَانِي القُرْآنِ» (٥/ ٤٤٣ - ٤٤٤) بِلَفْظِ: «مَنْ قَضَيْتُ لَهُ أَنْ يُعَمَّرَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الهَرَمُ أَوْ يُعَمَّرَ دُونَ ذَلِكَ؛ فَكُلُّ ذَلِكَ بِقَضَاءٍ، وَكُلٌّ فِي كِتَابٍ».
وَعَدَّ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ هَذَا القَوْلَ بِأَنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ الأَقْوَالِ وَأَشْبَهِهَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَريُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» (١٩/ ٣٤٣) عَنْ أَبِي مُعَاذٍ، قَالَ: مَنْ قَضَيْتُ لَهُ أَنْ يُعَمَّرَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْكِبَرُ، أَوْ يُعَمَّرَ أَنْقَصَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَكُلٌّ بَالِغٌ أَجَلَهُ الَّذِي قَدْ قُضِيَ لَهُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ.
وَهُوَ الفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ المَرْوَزِيُّ، يَرْوِي عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْهُ.
(٢) انْظُرْ «تَفْسِيرَ القُرْطُبِيِّ» (١٤/ ٣٣٣ - ٣٣٤).
(٣) أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ فِي «الدُّرِّ المَنْثُورِ» (٧/ ١٢) بِلَفْظِ: «أَمَّا الْعُمْرُ فَمَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً، وَأَمَّا الَّذِي يُنْقَصُ مَنْ عُمُرِهِ فَالَّذِي يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ سِتِّينَ سَنَةً»، وَعَزَاهُ إِلَى ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ.
(٤) سُورَةُ (الأَنْعَام)، آيَة (٢).
(٥) أَوْرَدَ الرَّازِيُّ هَذَا القَوْلَ فِي «تَفْسِيرِهِ» (١٢/ ٤٨٠)، وَعَزَاهُ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ بَحْرٍ الأَصْفَهَانِيِّ، وَهُوَ مُعْتَزِلِيٌّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ (٨٦٨هـ)، كَانَ عَالِماً بِالتَّفْسِيرِ - وَبِغَيْرِهِ مِنْ صُنُوفِ العِلْمِ -، وَلَهُ شِعْرٌ، مِنْ كُتُبِهِ «جَامِعُ التَّأْوِيلِ» فِي التَّفْسِيرِ، جَمَعَ سَعِيدٌ الأَنْصَارِيُّ الهِنْدِيُّ نُصُوصاً مِنْهُ وَرَدَتْ فِي «تَفْسِيرِ الرَّازِيِّ»، وَسَمَّاهَا: «مُلْتَقَطَ جَامِعِ التَّأْوِيلِ لِمُحْكَمِ التَّنْزِيلِ»، مَطبُوعٌ فِي جُزْءٍ صَغِيرٍ، انْظُرِ «الأَعْلَامَ» لِلزِّرِكْلِيِّ (٦/ ٥٠).
وَأَوْرَدَ هَذَا القَوْلَ - فِي مَعْنَاهُ - المَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ «النُّكَتِ وَالعُيُونِ» (٢/ ٩٣) بِقَوْلِهِ: « ... أَنَّ الأَجَلَ الَّذِي قَضَاهُ: أَجَلُ مَنْ مَاتَ , وَالأَجَلَ المُسَمَّى عِنْدَهُ: أَجَلُ مَنْ يَمُوتُ بَعْدُ»، وَعَزَاهُ إِلَى يَزِيدَ بْنِ شَجَرَةَ، وَهُوَ مِنْ أُمَرَاءِ مُعَاوِيَةَ عَلَى مَكَّةَ، تُوُفِّيَ (سَنَةَ ٥٨هـ) فِي أَوَاخِرِ خِلَافَتِهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ، انْظُرِ «الإِصَابَةَ فِي تَمْيِيزِ الصَّحَابَةِ» (٦/ ٥٢١).

<<  <   >  >>