للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَيُؤِيِّدُ هَذَا: مَا ذَكَرَ الإِمَامُ الفَخْرُ - وَغَيْرُهُ - فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ... (١) أَنَّ مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الكِتَابِ: «أَنَّهُ - تَعَالَى - إِنَّمَا كَتَبَ هَذِهِ الأَحْوَالَ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ لِتَقِفَ المَلَائِكَةُ عَلَى إِنْفَاذِ (٢) عِلْمِ اللهِ - تَعَالَى - فِي المَعْلُومَاتِ، وَأَنَّهُ لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِمَّا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْءٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عِبْرَةً تَامَّةً لِلْمَلَائِكَةِ المُوَكَّلِينَ بِاللَّوْحِ؛ لأَنَّهُمْ يُقَابِلُونَ بِهِ مَا يَحْدُثُ فِي هَذَا العَالَمِ، فَيَجِدُونَهُ مَوَافِقًا لَهُ» (٣).

قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي - وَهُوَ الحَقُّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى -: أَنَّ القَوْلَ بِوُقُوعِ الإِثْبَاتِ الآنَ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ لَا يُقَالُ بِهِ؛ لأَنَّ كِتَابَةَ المَقَادِيرِ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ وَتَمَّ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤).

وَأَمَّا القَوْلُ بِمَحْوِ الكِتَابَةِ الآنَ مِنَ اللَّوْحِ فَلَا يَنْبَغِي القَوْلُ بِهِ - أَيْضًا -؛


(١) سُورَةُ (الأَنْعَام)، آيَة (٥٩).
(٢) وَفِي «تَفْسِيرِ الرَّازِي» (١٣/ ١٢): (نَفَاذِ) مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ، وَيَصِحُّ الوَجْهَانِ فِي السِّيَاقِ، فَالأَوَّلُ بِالفِعْلِ المُتعَدِّي: (أَنْفَذَ الأَمرَ إِنْفَاذًا) أَيْ: أَمْضَاهَ وَقَضَاهُ وَأَجْرَاهُ، وَالثَّانِي بِالفِعْلِ اللَّازِمِ (نَفَذَ الأَمْرُ نَفَاذًا): مَضَى وَقُضِيَ وَجَرَى.
وَالمُرَادُ مِنَ السِّيَاقِ: جَرَيَانُ عِلْمِ اللهِ - تَعَالَى - فِي أُمُورِ الخَلْقِ إِلَى حَدِّ مُوَافَقَتِهَا لِمَا فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ.
(٣) انْظُرْ «تَفْسِيرَ الرَّازِي» (١٣/ ١٢).
(٤) كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ» (٢٦٥٣) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ».

<<  <   >  >>