وألطفها، وأطولها، ثم أخذته بدرسه وحفظه لحفظه حفظا عجيبا، ولهذه هذا ذليقا. فأما معرفته صحيحه من سقيمه، وحقه من باطله، وفصل ما بين المقرب والدليل، والاحتراس من حيث يؤتى المخدوعون، والتحفظ من مكر الخادعين، وتأتي المجرب، ورفق الساحر، وخلابة المتنبئ، وزجر الكاهن وإخبار المنجمين، وفرق ما بين نظم القرآن وتأليفه ونظم سائر الكلام وتأليفه - فليس يعرف فروق النظر واختلاف البحث إلا من عرف القصيد من الزجر، والمخمس من الأسجاع، والمزاوج من المنثور، والخطب من الرسائل، وحتى يعرف العجز العارض الذي يجوز ارتفاعه من العجز الذي هو صفة في الذات.
فإذا عرف صنوف التأليف عرف مباينة نظم القرآن لسائر الكلام، ثم لم يكتف بذلك حتى يعرف عجزه وعجز أمثاله عن مثله، وأن حكم البشر حكم واحد في العجز الطبيعي وإن تفاوتوا في العجز العارض.
وهذا ما لا يوجد عند صبي ابن سبع سنين وثمان سنين وتسع سنين أبدا، عرف ذلك عارف أو جهله جاهل. ولا يجوز أن يعرف عارف معنى الرسالة إلا بعد الفراغ من هذه الوجوه، إلا أن يجعل جاعل