وبالله نستهدي وإياه نستعين، وعليه نتوكل، وما توفيقنا إلا به.
رووا أن أفضل هذه الأمة وأولاها بالإمامة أبو بكر بن أبي قحافة، وكان أول ما دلهم عند أنفسهم على فضيلته وخاصة منزلته، وشدة استحقاقه، إسلامه على الوجه الذي لم يسلم عليه أحد من عالمه وفي عصره. وذلك أن الناس اختلفوا في أول الناس إسلاما، فقال قوم: أبو بكر بن أبي قحافة، وقال آخرون: زيد بن حارثة، وقال نفر: خباب بن الأرت.
على أنه إذا تفقدنا أخبارهم، وأحصينا أحاديثهم وعدد رجالهم، و [نظرنا في] صحة أسانيدهم. كان الخبر في تقديم أبي بكر أعم، ورجاله أكثر، وإسناده أصح، وهم بذلك أشهر، واللفظ به أظهر، مع الأشعار الصحيحة والأخبار المستفيضة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته. وليس بين الأشعار وبين الأخبار فرق إذا امتنع في مجيئها وأصل مخرجها التباعد والاتفاق والتواطؤ، ولكنا ندع هذا المذهب [جانبا]، ونضرب عنه صفحا، اقتدارا على الحجة، وثقة بالفلج والقوة، ونقتصر على أدنى منازل أبي بكر، وننزل على حكم الخصم مع سرفه وميطه فنقول:
لما وجدنا من يزعم أن خبابا وزيدا أسلما قبله، فأوسط الأمور وأعدلها وأقربها من محبة الجميع ورضا المجادل أن نجعل إسلامهم كان معا، إذ ادعوا أن الأخبار في ذلك متكافئة، والآثار متدافعة، [وليس في الأشعار دلالة، ولا في الأمثال حجة]، ولم يجدوا إحدى القضيتين أولى في حجة العقل من الأخرى.
فصل: وقالوا: فإن قال قائل: فما بالكم لم تذكروا عليا في هذه الطبقة وقد تعلمون كثرة مقدميه والرواية فيه؟
قلنا: لأنا قد علمنا بالوجه الصحيح والشهادة القائمة أنه أسلم وهو حدث غرير وغلام صغير، فلم نكذب الناقلين، ولم نستطع أن ننزل أن إسلامه كان لاحقا بإسلام البالغين، لأن المقلل زعم أنه أسلم وهو ابن خمس سنين، والمكثر زعم أنه أسلم وهو ابن تسع سنين، والقياس أن يؤخذ بأوسط الروايتين، وبالأمر بين الامرين، وإنما تعرف [حق]