وقد تعلمون ما كان يلقى أصحاب النبي عليه السلام ببطن مكة من المشركين، وقد تعلمون حسن صنيع كثير منهم، كصنيع حمزة حين ضرب أبا جهل بقوسه، فبلغ في هامته، في نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو جهل يومئذ أمنع البطحاء، وهو رأس الكفر.
ثم صنيع عمر حيث يقول يوم أسلم:"والله لا يعبد الله سرا بعد اليوم! " حتى قال بعد موته عبد الله بن مسعود: "ما صلينا ظاهرين حتى أسلم عمر".
ثم كان الذي لقي في ذلك اليوم بعينه من المشركين، ثم مضيه من فوره حتى يقرع على أبي جهل الباب، فلما حس به أبو جهل خرج إليه وهو يقول: مرحبا بابن أختنا - وكانت أمه حنتمة بنت هاشم ذي الرمحين ابن المغيرة - قال: أتدري ما صرت بعدك يا أبا الحكم! قال: خير، فليكن. قال: إنه خير، إني آمنت بالله وبرسوله وخلعت الأنداد، وجعلت اللات والعزى، وصدقت محمدا. قال: فلا قرب الله قرابتك!
ألا ترى إلى قوة شهامته وجلده، وصدق نيته في كشف القناع، والمبادأة لرأس الكفر وسيد البطحاء عند نفسه ورهطه.
وقوله بعد ذلك لجميع المشركين: أما والله لو قد صرنا مائة لتركتموها لنا أو تركناها لكم - يعني مكة.