الغلبة من قهر المعرفة، ويعرف كيد المريب وبعد غور المتنبي، وكيف يلبس على العقلاء، ويستميل عقول الدهماء، ويعرف الممكن في الطبائع من الممتنع فيها، وما يحدث بالاتفاق وما يحدث بالأسباب، ويعرف أقدار القوى في مبلغ الحيلة ومنتهى البطش، وما لا يحتمل إحداثه إلا الخالق، وما يجوز على الله مما لا يجوز في توحيده وعدله، وكيف التحفظ من الهوى، وكيف الاحتراس من تقدم الخادع في الحيلة - كان كونه بهذه الحال وعلى هذه الصفة مع فرط الصبا والحداثة، وقلة التجارب والممارسة، خروجا من نشوء العادة، والمعروف مما عليه تركيب الأمة. ولو كان على هذه الصفة ومعه هذه الخاصية، كان حجة على العامة، وآية تدل على المباينة، ولم يكن الله ليخصه بمثل هذه الآية وبمثل هذه الأعجوبة إلا وهو يريد أن يحتج بها له، ويخبر بها عنه، ويجعلها قاطعة لعذر الشاهد، وحجة على الغائب، ولا يضيعها هدرا، ولا يكتمها باطلا.
ولو أراد الاحتجاج بها شهر أمرها وكشف قناعها، وحمل النفوس على معرفتها، وسخر الألسنة لنقلها، والأسماع لإدراكها، لئلا يكون لغوا ساقطا، ونسيا منسيا، لأن الله لا يبتدع أعجوبة ولا يخترع آية ولا ينقض العادة إلا للتعريف والإعذار، والمصلحة والاستبصار. ولولا