للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ (١) ، عَنِ الْحَسَنِ (٢) ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَزْدَادُ الأمرُ إِلا شِدَّةً، ولَا الدُّنيَا إِلا إِدْبَارًا، وَلا النَّاسُ إِلا شُحاًّ، وَلا تَقُومُ السّاعةُ إلَاّ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، ولا مَهْدِيَّ إلَاّ عيسى بنُ مريمَ)) (٣)


(١) ابن عمير بن عبيد القرشي مولاهم، وثقه الأئمة، ووهم ابن حزم فجهّله، وابن عبد البر فضعّفه، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة، وهو ابن خمس وخمسين. التقريب (٨٧/ت١٣٧) .
(٢) هو ابن أبي الحسن البصري.
(٣) إسناده ضعيف فيه محمد بن خالد الجندي، وأحمد بن محمد بن المؤمل الصوري لم أجد من وثّقه.
أخرجه ابن ماجه (٢/١٣٤٠) ، كتاب الفتن، باب شدة الزمن، والحاكم (٤/٤٨٨) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"
(٩/١٦١) ، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (٤/٨١٢) ، و (٥/١٠٧٥) ، وابن الفرضي في "تاريخ علماء الأندلس" (٢/٨٠٧-٨٠٨/رقم١٤٠٣) ، والخليلي في "الإرشاد" (١/٤٢٥-٤٢٦) ، والبيهقي في "المعرفة" (رقم٢٠٨٢٧) ، وفي "بيان من أخطأ على الشافعي" (٢٩٦-٢٩٧) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (٢/٦٧-٦٨) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (٤/٢٢٠) ، والنسفي في "القند في ذكر علماء سمرقند" (ص٢٠٧) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (٢/٤٦٢-٤٦٣) ، والمزي في "تهذيب الكمال" (٢٥/١٤٨) ، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (١٠/٦٧) ، وفي "تذكرة الحفاظ" (٢/٥٢٧-٥٢٨) ، وابن السبكي في "طبقات الشافعية" (٢/١٧١-١٧٢) ، وابن حجر في "الأربعين المتباينة بشرط السماع" (ص١٢١) من طرق عن يونس بن عبد الأعلى به.
هذا الحديث أنكره العلماء إنكارًا شديدًا وأعلوه سنداً ومتناً.
أما من ناحية السند فأعلّوه بعلل بعضها قادحة، وبعضها غير قادحة، وأنا أذكر منها ما أراها قادحة وهي:
العلة الأولى: أن محمد بن خالد الجندي تفرد بهذا الحديث، وقد تقدم أنه مجهول الحال، فمثله ممن لا يحتمل تفرده.

وممن صرح بهذا البيهقي حيث قال: "هذا حديث تفرد به محمد بن خالد الجندي، قال أبو عبد الله الحافظ: ومحمد
ابن خالد رجل مجهول". وقال ابن السبكي: "والصحيح أن الجنَدي تفرد به". البعث والنشور (١٩/أ-ب) ، وطبقات الشافعية الكبرى (٢/١٧٣) . وقال ابن القيم: "وَهُوَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بن خالد". المنار المنيف (ص١٤١) .
وقال الآبري عقب حكايته توثيق ابن معين لمحمد بن خالد: "قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ يعني في المهدي ـ وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، ويملأ الأرض عدلاً، وأنه يخرج عيسى بن مريم فيساعده على قتل الدجال بباب لُدّ بأرض فلسطين، وأنه يؤمّ هذه الأمة، وعيسى صلوات الله عليه يصلي خلفه، في طول من قصته وأمره، ومحمد بن خالد الجنَدي، وإن كان يذكر عن يحيى بن معين ما ذكرته؛ فإنه غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل".
انظر التهذيب (٩/١٤٤) .
والعلة الثانية: أن محمد بن خالد هذا اختلف عليه في إسناده:
فرواه صامت بن معاذ، قال: حدثنا يحيى بن السَّكَن، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الجَنَديّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ... مثله.
قال صامت بن معاذ: "عدلت إلى الجنَد مسيرة يومين من صنعاء، فدخلت على محدث لهم، فطلبت هذا الحديث، فوجدته عنده: عن مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُنْدِيُّ، عَنْ أبان بن أبي عياش، عن الحسن عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم".
قال البيهقي: فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد وهو مجهول، عن أبان بن أبي عياش وهو متروك، عن الحسن، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو منقطع، والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصحّ إسنادًا، وفيها بيان كونه من عترة النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". البعث والنشور (١٩/أ-ب) . وقال القرطبي في "تفسيره" (٨/١٢٢) : "الحديث الذي ورد في أنه لا مهدي إلا عيسى غير صحيح"، ثم ذكر كلام البيهقي.
قال الحاكم بعد أن أورد حديث صامت بن معاذ: وقد روي بعض هذا المتن عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عن أنس
ابن مالك رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ثم ساقه بإسناده وقال: فذكرت ما انتهى إلي من علة هذا الحديث تعجباً لا محتجاًّ به". المستدرك (٤/٤٨٨) ، وانظر إتحاف المهرة (١/٥٨١-٥٨٢) .
قلت: وحديث عبد العزيز بن صهيب الذي أشار إليه الحاكم يورده المصنف في الرواية رقم (٣٥٧) ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى.
وقال الذهبي بعدما نقل كلام البيهقي السابق: "قلت: فانكشف ووهى". الميزان (٣/٥٣٦) .
العلة الثالثة: المخالفة في إسناده؛ فقد رواه غير واحد من تلامذة الحسن الثقات المشهورين بالرواية عنه، المختصين به مثل جرير بن حازم، وهشام بن حسّان مرسلاً.
أما رواية جرير بن حازم فذكره أبو الفتح الأزدي ـ كما نقله عنه الحافظ في التهذيب (٩/١٤٥) ـ قال: "وحديثه ـ أي محمد بن خالد ـ لايتابع عليه، وإنما يحفظ عن الحسن مرسلاً، رواه جرير بن حازم".
وحديث هشام بن حسان أخرجه النسفي في "القند في ذكر علماء سمرقند" (ص١٠٤) عن الحسن مرسلاً أيضاً، ولكن ليس فيه ((لا مهدي إلا عيسى بن مريم)) .
وقد روي الحديث عن الحسن، عن عمران بن حصين مرفوعًا، ولكن ليس فيه جملة ((ولا مهدي إلا عيسى بن مريم)) .
أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٧/٢٦٢) وقال: "تفرد به إدريس، عن يحيى".
وإدريس هذا لم أجد له ترجمة، وتفرده به ومخالفته للثقات من تلامذة الحسن يدل على وهائه، وعلى هذا لم يثبت الحديث بمثله.
وهناك علل أخرى أعل بها العلماء إسناد هذا الحديث توسع صاحب "المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس" في بسطها، من أراد التوسع فليراجع الكتاب المذكور (٢/٧٨٠-٨١٠) .
وأما من حيث المتن فإن قوله "لا مهدي إلا عيسى بن مريم" يعارض معارضة ظاهرة للأحاديث المتواترة في المهدي وصفته، وأنه سوى عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام قطعًا.
وأنكروه أيضًا؛ بأن نفي الشارع للمهدي يستدعي سَبْقَ ذكرِ له من غيره، والإخبار به إنما وقع منه صلى الله عليه وسلم، لتواتر الأخبار عنه بذلك، فكيف يخبر بشيء، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، ثم ينفيه؟! ومثل هذا لا يدخله النسخ؛ لأنه خبر.
فقد قال النسائي عن هذا الحديث: "منكر".
وأورده ابن الجوزي في "العلل المتناهية"، بل حكم عليه الصاغاني بأنه موضوع.
انظر نظم المتناثر من الحديث المتواتر (رقم٢٩٨) ، والعلل المتناهية (٢/٨٦٢-٨٦٣) ، والمنار المنيف (ص١٤١) ، والدر الملتقط للصاغاني (رقم٤٤) ، وفتح الوهاب بتخريخ أحاديث الشهاب لأحمد بن الصديق الغماري (٢/١١٢) ، والمرسل الخفي وعلاقته بالتدليس (٢/٧٨١-٧٨٢) .
هذا وقد جنح غير واحد من العلماء إلى تأويل هذا الحديث تنزلاً في الحِجاج، وإغلاقًا على ذوي الأهواء فقالوا: "إن معنى ((لا مهدي إلا ابن مريم)) ، أي: لا مهدي في الحقيقة سواه، وإن كان غيره مهدياً، كما يصح أن يقال: إنما المهدي عيسى بن مريم، يعني المهدي الكامل المعصوم".
انظر المنار المنيف (ص١٤٨) ، ونهاية البداية والنهاية (١/٤٥) ، وعقد الدرر في أخبار المنتظر ليوسف بن يحيى بن علي السلمي الشافعي (٦٣-٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>