للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجهاد برأي أهل الدين الصحيح، في الباطن الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، فأما أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يُؤخذ برأيهم، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا)) (١).

ومما يُؤكد أهمية السمع والطاعة ما حصل لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية حينما اشتد عليهم الكرب بمنعهم من العمرة، وما رأوا من غضاضة على المسلمين في الظاهر، ولكنهم امتثلوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان ذلك فتحاً قريباً، وخلاصة ذلك أن سهيل بن عمرو قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - حينما كتب: بسم الله الرحمن الرحيم: اكتب باسمك اللهم، فوافق معه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، ولم يوافق سهيل على كَتب محمد رسول الله، فتنازل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر أن يكتب محمد بن عبد الله، ومنع سهيل في الصلح أن تكون العمرة في هذا العام، وإنما في العام المقبل، وفي الصلح أن من أسلم من المشركين يردُّه المسلمون، ومن جاء من المسلمين إلى المشركين لا يُردّ، وأول من نُفِّذ عليه الشرط أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فردَّهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد محاورة عظيمة، وحينئذٍ غضب الصحابة لذلك حتى قال عمر - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ألست نبيّ الله حقّاً؟ قال: ((بلى) قال: ألسنا على الحق، وعدوُّنا على الباطل؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((بلى) قال: فلم نُعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: ((إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري) قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً، فلما فرغ الكتاب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا، فدخل على أم سلمة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فشكا ذلك، فقالت: انحر واحلق،


(١) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص٤٤٩.

<<  <   >  >>