للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والمبصر بعينه، والمبصرون يتفاوتون في جمال عيونهم وفي قوة أبصارهم، ومنهم الأصم والسميع وبين ذلك، ومنهم ساقط المروءة، ومنهم ذو المروءة والهمة العالية.

ولا شكّ أن الأنبياء والرسل يمثلون الكمال الإنساني في أرقى صوره، ذلك أنّ الله اختارهم واصطفاهم لنفسه، فلا بدّ أن يختار أطهر البشر قلوباً، وأزكاهم أخلاقاً، وأجودهم قريحة، (الله أعلم حيث يجعل رسالته) [الأنعام: ١٢٤] .

والكمال البشري يتحقق فيما يأتي:

١- الكمال في الخلقة الظاهرة:

لقد حذرنا الله تعلى من إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم كما آذى بنو إسرائيل موسى، (يا أيَّها الَّذين آمنوا لا تكونوا كالَّذين آذوا موسى فبرَّأه الله ممَّا قالوا وكان عند الله وجيهاً) [الأحزاب: ٦٩] .

وقد بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن إيذاء بني إسرائيل لموسى كان باتهامهم إياه بعيب خلقي في جسده، ففي صحيح البخاري (١) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ موسى كان رجلاً حيياً ستَّيراً لا يرى من جلده شيء استحياءً منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلاّ من عيب بجلده (٢) : إما برص، وإمّا أُدْرة (٣) ، وإمّا آفة، وإنّ الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثمّ اغتسل، فلمّا فرغ، أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنّ الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملا من بني إسرائيل فرأوه عرياناً، أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ بثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضرباً بعصاه، فوالله إنّ بالحجر لندباً من أثر ضربه، ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، فذلك قوله: (يا أيَّها الَّذين آمنوا لا تكونوا كالَّذين آذوا موسى فبرَّأه الله ممَّا قالوا وكان عند الله وجيهاً) [الأحزاب: ٦٩] .


(١) رواه البخاري: ٣٤٠٤، ومسلم: ٣٣٩.
(٢) هذا يوحى بأن اغتسال بني إسرائيل عراة كان جائزاً في شريعتهم.
(٣) الأدرة بضم الهمزة وسكون الدال: انتفاخ الخصية.

<<  <   >  >>