للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولو ذهبنا إلى شرح مناقبه وفضائله لأطلْنا الخُطَبَ، وَلَمْ نَصِلْ إلى الغرض منها، فإنه كان عالمًا عاملاً، زاهدًا، عابدًا، وَرِعًا، تقيًّا، إمامًا في علوم الشريعة مرضيًا.

وقد نُسِبَ إليه وقيل عنه من الأقاويل المختلفة التي يُجَلُّ قَدْرُهُ عنها [ويتنزه منها]؛ من القول بخلقِ القرآن، والقول بالقدر، والقول بالإرجاء، وغير ذلك مما نُسب إليه.

ولا حاجة إلى ذكرها ولا إلى ذكر قائليها، والظاهر أنه كان مُنَزَّهًا عنها.

ويدل على صحة نزاهته عنها، ما نشر الله تعالى له من الذِّكْرِ المنتشر في الآفاق، والعلم الذي طبق الأرض، والأَخْذ بمذهبه وفقهه والرجوع إلى قوله وفعله، وإن ذلك لو لم يكن للهِ فيه سِرٌّ خَفِيٌّ، ورضى إِلهيٌّ، وفقه اللهُ له لما اجتمع شَطْرُ الإسلامِ أو ما يقاربهُ على تقليده، والعمل برأيه ومذهبه حتى قد عُبِدَ اللهُ وَدِينَ بِفِقْهِهِ، وَعُمِلَ برأيه، ومذهبه، وأُخذَ بقوله إلى يومنا هذا ما يقارب أربعمائة وخمسين سَنَةً، وفي هذا أدل دليل على صحة مذهبه، وعقيدته، وأن ما قيل عنه هو مُنَزَّهٌ عنه، وقد جمع أبو جعفر الطحاوي - وهو من أكبر الآخذين بمذهبه - كتابًا سماه " عقيدةُ أبي حنيفةَ - رَحِمَهُ اللهُ - " وهي عقيدةُ أهل السُّنَّة والجماعة، وليس فيها شيء مما نُسبَ إليه وقيل عنه، وَأَصْحَابُهُ أَخْبَرُ بحاله وبقوله من غيرهم، فالرجوعُ إلى ما نقلوه عنه أَوْلَى مما نقله غيرُهم عنه (١).


(١) قال الإمام ابن القيم في " إعلام الموقعين ": ٣/ ٢٢٢: «فَالوَاجِبُ عَلَى مَنْ شَرَحَ =

<<  <   >  >>