وَقَالَ وَهْبُ بْنُ حَفْصٍ عَنِ الْجُدِّيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُغِيرَةَ.
وَقَالَ أَبُو بِلاَلٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بنِ رَفِيعٍ، وَقَالَ يَحيَى بْنُ حَمْزَةَ: عَنْ هُذَيْلٍ الْكُوفِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ كُلُّهُم قَالُوا: عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَكَذَلِكَ قال عُبَيدُ الله بنُ مُحَمدٍ الفِريابِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ، وَخَالَفَهُ الْحُمَيدِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَأَرسَلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَكَذَلِكَ رَواهُ الثَّوْرِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَنهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَزَائِدَةُ، وَشَرِيكٌ، وَجَرِيْرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مُرْسَلاً، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
قُلْتُ: فَهَذِهِ وُجُوهُ الاضْطِرَابِ عَلَى إِسْنَادِهِ، وَإِنَّمَا رَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ، لإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الأَثْبَاتِ الْحُفَّاظِ: السُّفْيَانَانِ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِمَا.
وَأَمَّا النَّكَارَةُ، فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَزِيَادَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْبَكَّائِيَّ قَدْ كَشَفَا عَوْرَةَ حَدِيثِ بَقِيَّةَ، وَأَبَانَا نَكَارَتَهُ، إِلاَّ أَنَّ الثَّوْرَيَّ أَرْسَلَهُ، وَالْبَكَّائِيَّ رَفَعَهُ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ «مُشْكَلُ الآثَارِ» (١١٥٦): حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عَامِرٍ قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ذَكْوَانَ قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا وَذِكْرًا، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ».
وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «الْمُصَنَّفُ» (٥٧٢٨) عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ بِمِثْلِهِ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ «الْكَامِلُ» (٣/ ٩٣)، والْبَيْهَقِيُّ «الْكُبْرَى» (٣/ ٣١٨)، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ «التَّمْهِيدُ» (١٠/ ٢٧٢) مِنْ طُرُقٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَكَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عِيدُكُمْ هَذَا وَالْجُمُعَةُ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ»، فَلَمَّا صَلَّى الْعِيدَ جَمَّعَ.
قُلْتُ: فَلَيْسَ فِي حَدِيثَيْهِمَا ذِكْرٌ لِهَذِهِ الْعِبَارَةِ الشَّاذَّةِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا بِقَيَّةُ: أَجْزَأَهُ يَعْنِي الْعِيدَ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُهُ: «إِنَّا مُجَمِّعُونَ»، وَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ نَفْسِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمَّنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةَ أَنَّهُمْ مُجَمِّعُونَ لا مَحَالَةَ، إِذْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا الْفَرِيضَةَ، وَقَوْلُهُ: «وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ» إِعْلامٌ لِمَنْ كَانُوا يَنْتَابُونَ الْمَدِينَةَ لِحُضُورِ الْعِيدَ أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا اخْتِيَارًا حَتَّى يُصَلُّوا مَعَهُ الْجُمُعَةَ، أَوْ يَنْصَرِفُوا عَنْهَا إِلَى أَمَاكِنِهِمْ , وَيَتْرُكُونَ الإِقَامَةَ لِلْجُمُعَةِ، وَهَذَا الاخْتِيَارُ لَيْسَ لأَحَدٍ سِوَاهُمْ، وَلا يُرَخَّصُ فِيهِ لِغَيْرِهِمْ.
وَبِهَذَا الإِيْضَاحِ تَعْلَمُ خَطَأَ مَنْ جَعَلَ حَدِيثَ الْبَكَّائِىِّ عَاضِدًا لَحَدِيثِ بَقِيَّةَ، وَشَاهِدًا لِصِحَّتِهِ، لاخْتِلافِهِمَا مَعْنًى وَدِلالَةً، وَتَرْجِيحُ دِلالَةِ حَدِيثِ الْبَكَّائِىِّ بِمُتَابَعَةِ الثَّوْرِىِّ وَغَيْرِهِ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِهِ وَدِلالَتِهِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَقَدْ بَانَ فِي رِوَايَةِ الْبَكَّائِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَّعَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالنَّاسِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْجُمُعَةِ لازِمٌ، وَأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهَا مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مِمَّنْ شَهِدَ الْعِيدَ مَنْ أَهْلَ الْبَوَادِي، وَهَذَا تَأْوِيلٌ تُعَضِّدُهُ الأُصُولُ، وَتَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلائِلُ، وَمَنْ خَالَفَهُ فَلا دَلِيلَ مَعَهُ، وَلا حُجَّةَ لَهُ اهـ.