للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قالت لك: بل من ذات قائمة بنفسها، لها العلم التام والقدرة والإرادة والحكمة.

فقل لها: هذا هو الخالق البارئ المصوّر، فلم تسمّيه طبيعةً!؟ ويالله من (١) ذكر الطبائع ومن يرغب فيها! فهلاّ سميته بما سمّى به نفسه على ألسن رسله ودخلت في جملة العقلاء والسعداء، فإن هذا الذي وصفت به الطبيعة صفته تعالى.

وإن قالت لك: بل الطبيعة عرض محمول مفتقر إلى حامل، وهذا كله فعلها بغير علم منها ولا إرادة ولا قدرة ولا شعور أصلاً، وقد شوهد من آثارها ما شوهد!

فقل لها: هذا ما لا يصدقه ذو عقل سليم، كيف تصدر هذه الأفعال العجيبة والحكم الدقيقة التي تعجز عقول العقلاء عن معرفتها وعن القدرة عليها ممن لا عقل (٢) له ولا قدرة ولا حكمة ولا شعور؟ وهل التصديق بمثل هذا إلا دخول في سلك المجانين والمبرسمين (٣).

ثم قل لها بعد: ولو ثبت لك ما ادّعيت، فمعلوم أن مثل هذه الصفة ليست بخالقة لنفسها ولا مبدعة لذاتها، فمن ربها ومبدعها وخالقها؟ ومن طبعها وجعلها تفعل ذلك؟ فهي إذاً من أدلّ الدلائل على بارئها وفاطرها


(١) في الأصل: (يالله عن ذكر الطبائع يرغب فيها)، والمثبت من نسخة أخرى.
(٢) في الأصل: فعل، والمثبت من نسخة أخرى.
(٣) من البرسام، وهو التهاب في الغشاء المحيط بالرئة. المعجم الوجيز ص (٤٥)، يريد: من به مرض.

<<  <   >  >>