للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكمال قدرته وعلمه وحكمته، فلم يجد بك تعطيلك رب العالم وجحْدك لصفاته وأفعاله إلا مخالفتك العقل والفطرة.

ولو حاكمناك إلى الطبيعة لأريناك أنك خارج عن موجبها، فلا أنت مع موجب العقل ولا الفطرة ولا الطبيعة ولا الإنسانية أصلاً، وكفى بذلك جهلاً وضلالاً، فإن رجعت إلى العقل وقلت: لا يوجد حكمة إلا من حكيم قادر عليم، ولا تدبير متقن إلا من صانع قادر مختار مدبّر عليم بما يريد قادر عليه، لا يعجزه ولا يصعب عليه ولا يؤوده.

قيل لك: فإذا أقررت -ويحك- بالخلاّق العظيم الذي لا إله غيره، ولا رب سواه فدع تسميته طبيعة أو عقلاً فعالاً أو موجبًا بذاته، وقل: هذا هو الله الخالق البارئ المصور رب العالمين وقيّوم السموات والأرضين ورب المشارق والمغارب الذي أحسن كل شيء خلقه وأتقن ما صنع، فما لك جحدت أسماءه وصفاته بل وذاته.

وأضفت صنعه إلى غيره وخلقه إلى سواه، مع أنك مضطّر إلى الإقرار به وإضافة الإبداع والخلق والربوبية والتدبير إليه ولا بد، فالحمد لله رب العالمين.

على أنك لو تأملت قولك: (طبيعة) ومعنى هذه اللفظة، لدلك على الخالق البارئ لفظها كما دل العقول عليه معناها، لأن (طبيعة) فعيلة بمعنى مفعولة، أي: مطبوعة، ولا يحتمل غير هذا البتّة، لأنّها على بناء الغرائز التي ركّبت في الجسم ووضعت فيه كالسجيّة والغريزة والبحيرة والسليقة والطبيعة، فهي التي طبع عليها الحيوان وطبعت فيه.

<<  <   >  >>