للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عند أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-، وإ نما المنظور إليه عنده في نفس الأمر الشيوع بالنجاسة، إلا أنه لما كان في غير المرئيّة أمراً خفياً نظر إلى ما يدل عليه وهو إما خلوص الماء بنفسه أو الحركة بما ذكر،

وغيره استدل على خلوصها الباطن بالصبغ الظاهر أو التكرير، كما نقل، وبعضهم خمن أنها لا تخلص إلى مقدار عشرة أذرع، وبعضهم خمسة عشر كما نقلت عنهم، وهذا مما وعدتك بالتنبيه عليه.

قال شيخ الإسلام أبو بكر خُوَاهَر زَادَه (١) في كتابه المسمى بـ "المبسوط": واختلفوا بعد هذا بأي سبب يعرف خلوص النجاسة إلى الجانب فاتفقت الروايات عن علمائنا الثلاثة أنه يعتبر بالتحريك واختلفوا في سببه

وبهذا تبين ما قدمته

(ق٧ / ب) لك من أن الدلائل المذكورة دلائل خلوص النجاسة لا دلائل الكثرة التي لا يكون معها التنجس إلا بالظهور كما زعم من لم يحقق سر المسألة عند أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- وعبارة الاختيار والتحفة والبدائع ومن تبعهما صريحة في أن المراد خلوص الماء في الجانب الآخر، وأنه دليل الكثرة،

وحيث علمت هذا علمت أن نظر الإمام بعد سطح الماء لا إلى العمق، فظهر عدم صحة ما صححه من أنه إذا لم يكن له عرض ... الخ. رد عند تقارب الجوانب يعم السريان، والله أعلم.

وممن ظن صحة هذا التقسيم المذكور في أول المسألة قال شيخنا في "شرح الهداية" مما استدل به المصنف للمذهب من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولن أحدكم في الماء الراكد"؛ لحديث "لا يمس" محل الخلاف، وهذا لأن حقيقة الخلاف إنما هو في تقدير الكثير الذي يتوقف تنجسه على تغيره. انتهى وأنا أقول: أن هذا التقدير لا يعرف عن أبي حنيفة -رحمه الله-


(١) هو محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن البخاري، المعروف بـ"بكرخُوَاهَر زَادَه"،كان إمامًا، فاضلًا، له طريقة حسنة مفيدة، جمع فيها من كل فن. وله كتاب "المبسوط". سمع أباه، وأباالفضل منصور الكاغدي، وجماعة. وأملى ببخارى مجالس، وخرَّج له أصحاب أئمة، وكان عالم ما وراء النهر. توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. ترجمته في تاج التراجم (ص/٢٥٩)، الإعلام (٦/ ١٠٠)، ومعجم المؤلفين (٩/ ٢٥٣).

<<  <   >  >>