قلت: وثبت في الموطأ أيضاً أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قد سئل عائشة عن ذلك فأخبرته بالصواب ووجوب الغسل، وعنَّفته، فلعله رجع عن ذلك، كما هو مشهور عنه في غالب ما كان يسأل عنه عائشة رضي الله عنها.
ثم قال الحافظ: وجاء هذا القول عن هشام بن عروة عند عبد الرزاق بإسناد صحيح.
قلت: قول هشام في الخبر غير بيّن، ولفظه فيه:"لقد أصبت أهلي فأكسلت، فلم أنزل فما اغتسلت ".
فهذا محتمل لا مؤكد، لأنه ربما حكى واقعة حال كانت منه، لا أنه ذهب ذلك المذهب، وقد رأيت وضع عبد الرزاق لهذا الأثر، في موضع مناسب تماماً، يدل على عظيم توخيه فإنه أورد الأثر بين أحاديث الغسل من التقاء الختانين، وبين أحاديث الماء من الماء، حيث أنه لم يفصل بين الأحاديث بباب، وأوردهم جميعاً في باب واحد. مما يدل على توقفه - والله أعلم - في معرفة مذهب هشام بهذا الخبر، وهذه نكتة لطيفة عجيبة، كان الحافظ يتوقف عند أمثالها في الفتح.
ومعلوم أن علم هشام من أبيه عروة في غالبه، وكذا غالب علم عروة من عائشة، وجاء الحديث عن عائشة من رواية عروة عنها، كما عند ابن شاهين، والحازمي وغيرهما (وأنه كان يفتي بفتواها)، فاستبعدنا أن يكون مذهب هشام على الأمر المنسوخ، أو أنه قال بذلك ثم تراجع، فحكى واقعة حالٍ سابق له كما قدمنا.
ثم قال الحافظ: وقال عبد الرزاق أيضاً عن ابن جريج عن عطاء أنه