براءة مريم، وأن الشبهة إلى مريم أقرب منها إلى عائشة، فإذا كان مع هذا قد ثبت كذب القادحين في مريم، فثبوت كذب القادحين في عائشة أولى.
ومثل هذه المناظر أن يقع التفضيل بين طائفتين، ومحاسن إحداهما أكثر وأعظم، ومساويها أقل وأصغر، فإذا ذكر ما فيها من ذلك عورض بأن مساوئ تلك أعظم، كقوله تعالى:(يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) ثم قال: (وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) ، فإن الكفار عيروا سرية من سرايا المسلمين بأنهم قتلوا ابن الحضرمي في الشهر الحرام، فقال تعالى: هذا كبير، وما عليه المشركون من الكفر بالله والصد عن سبيله وعن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله، فإن هذا صد عما لا تحصل النجاة والسعادة إلا به، وفيه من انتهاك المسجد الحرام ما هو أعظم من انتهاك الشهر الحرام.
لكن هذا النوع قد اشتملت كل من الطائفتين فيه على ما يذم وأما النوع الأول فيكون كل من الطائفتين لا يستحق الذم، بل هناك شبه في الموضعين وأدلة في الموضعين، وأدله أحد الصنفين أقوى وأظهر، وشبهته أضعف وأخفى، فيكون أولى بثبوت الحق ممن تكون أدلته أضعف وشبهته أقوى.