ثم إننا نقول لهم: أي فرق بين العلم والكلام على ما زعمتم، لأن حقيقة الأمر أنه إذا كان الكلام هو ما قدره الله في نفسه صار معناه العلم، فلا فرق بن العلم والكلام على زعمكم.
فإن قالوا: قال الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
قلنا: وهذا دليل عليكم أيضاً وليس لكم؛ لأن الشاعر يريد أن الكلام المعتبر هو الذي يخرج من القلب، ولكنه لا يسمى كلاما ولا يضاف إلى الإنسان حتى يقوم عليه الدليل، والدليل لا يكون إلا باللسان الذي ينطق فيسمع، ويكون بحروف.
هذا إذا تنزلنا وقبلنا أن نوافق على الاستشهاد بهذا البيت، وأما إذا قيل: إن القائل لهذا البيت هو الأخطل، فإنه لا ليل فيه؛ لأن الأخطل من النصارى، وهم يجوزون من الوهميات ما تجيزه العقول، فالنصارى يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، ويقولون: نحن موحدون، وكيف يكون موحد من جعل الإله ثلاثة؟! فهم عندهم خطأ وعندهم ضلال، ولهذا وصفوا بأنهم ضالون، وإن قولا يستشهد له ويستدل له بأقوال النصارى لقول مبني على شفا جرف هار.
وعلى كل حال فنحن إذا سلمنا جدلا بالاستدلال بهذا البيت، فهو دليل عليهم لا لهم؛ لأن حقيقة القول أو حقيقة الكلام المعتبر، ما كان في القلب وعبر عنه اللسان، أما الكلام الذي لا يكون في القلب فهذا هذيان، فمثل