إياه هو على نفسه سبحانه وتعالى، فهو الذي أوجب على نفسه أن يثيب المطيع، وإذا كان لكرمه عز وجل أوجب على نفسه أن يثيب المطيع فإن هذا الإيجاب لن يتخلف، لأنه لو تخلف - وحاشاه من ذلك - لكان مخلفاً للميعاد، والله عز وجل لا يخلف الميعاد، قال تعالى:(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ)(فصلت: الآية ٤٦) ، وقال تعالى:(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)(الزلزلة: ٧)) فلابد أن يوجد هذا الذي وعد الله به.
ثم إن الله يثبت فإنه من فضله، سواء أثاب المطيع على عمله بالطاعة، أو عفا عن المجرم، فإن عفوه عن المجرم يعتبر إثابة؛ لأن ترك العقوبة إحسان، وإذا عفا عن المجرم فهو بفضله، والعفو عن المجرم محتمل إلا إذا كان الإجرام شركاً، ودليله قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء: الآية ٤٨) .
وقوله:(وإن يعذب فبمحض عدله) وهذا صحيح؛ لأن الله إذا عذب فبعدله، لكن متى يكون العذاب عدلاً؟ نقول: إذا وجد سببه صار عدلاً، أما إذا لم يوجد فإنه يكون ظلماً.
وظاهر كلام المؤلف:(أن يعذب) مطلقاً، لقوله:(وجاز للمولى يعذب الورى) ولكننا نقول: إن هذا الظاهر إن كان مراداً للمؤلف فهو غير صحيح وإن أراد بقوله (إن يعذب) على الإساءة فهذا صحيح، فإنه إن يعذب على الإساءة فبمحض العدل، لأنه لا يعذب على الإساءة إلا بمثل السيئة، قال تعالى:(وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(الأنعام: الآية ١٦٠) يعني لو جزي بأكثر لكان ظلماً ولكنهم لا يظلمون.