للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

لكن لو قيل: لو لم يقتل لم يمت بالقتل فهذا صحيح، لكن كونه يمتد الأجل إلى الليل أو لا يمتد، هذا شيءٌ ثان مجهول لنا، إنما المعلوم لنا انه لو لم يقتل لم يمت بالقتل، ونقول: إن هذا افرض أمر لا يمكن أن يقع ما دام قد قتل، لأننا نعلم أن الله قدر اجله إلى هذه الساعة بل إلى هذه اللحظة وبهذا السبب، ولكن لو قال قائل: يمكن أن يموت قبل أن يقتل، بلدغة حية، أو بأكل سم، أو بغتة، أو بمرض، فإن هذا لا يمكن، لأن الله قد كتب أن يموت بالقتل وفي هذه الساعة.

إذا فهذا الإيراد وهو قوله: لو لم يقتل لبقي. نقول: هو إيراد شيء محال، كقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (الزخرف: ٨١) فمحال أن يبقى بعد هذا الزمن الذي قتل فيه ولا لحظة، ومحال أن يموت بغير هذا السبب، لأنه لما وقع علمنا أن الله قد كتبه في الأزل.

فإن قال قائل: بماذا تجيبون عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) (١) ، فجعل صلة الرحم سببا لبسط الرزق وللتأخير في الأثر؟

نقول في جوابنا على هذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم حق، وصلة الرحم من أسباب طول العمر، ومن أسباب سعة الرزق، وإذا قدر أن الإنسان وصل رحمه علمنا أنه فعل السبب الذي يكون به طول العمر وسعة الرزق، ولا يختلف هذا عن قوله تعالى فيمن عمل صالحاً بأنه يدخل الجنة، لأننا نعلم أنه متى فعل السبب وجد المسبب، وإذا لم يفعله لم يوجد المسبب، فهذا الرجل


(١) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، رقم (٢٠٦٧) ، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم (٢٥٥٧) .