للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

بكتابة الأعمال؛ وهذا جند من جنوده موكل بالنار؛ وهذا جند من جنوده موكل بالجنة، وهكذا.

يقول رحمه الله: (ووكل الله من الكرام) أي من الملائكة الكرام، ودليل ذلك قوله تعالى: (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) (الانفطار: ٩) (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ) (الانفطار: ١٠) (كِرَاماً كَاتِبِينَ) (الانفطار: ١١) (يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار: ١٢) ، وصفهم الله بالكرام لكمال أخلاقهم، والكمال يسمى كرَماً، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: ((إياك وكرائم أموالهم)) (١) ، أي كاملها في الصفات والحسن، فهم كرماء لكمال صفاتهم وإلا فإنهم لا يعلمون الناس شيئاً، لكن الكرم يكون من أجل البذل، ويكون من أجل الكمال، مع أن البذل من آثار الكمال.

قوله: (اثنين حافظين للأنام) اثنين: يعني من الملائكة الكرام؛ أحدهما يكون عن اليمين؛ والثاني يكون عن الشمال، كما قال تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) (قّ: ١٧) (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ: ١٨) فأي قول يلفظ به الإنسان فلديه رقيب عتيد؛ حاضر لا يغيب عنه، أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال.

ولما دخل على الإمام أحمد رحمه الله أحد أصحابه وكان مريضاً، وسمعه يئن أنين المريض، قال له: يا أبا عبد الله، إن طاوساً - وهو من كبار التابعين رحمه الله - يقول: إن الملك يكتب حتى أنين المريض، فلما قال هذا لأبي عبد الله رحمه الله، أمسك حتى عن الأنين، خوفاً من أن يكتب عليه، ولا شك أن أنين المريض إذا كان ينبئ عن تسخط فإنه يكتب عليه، أما إذا كان


(١) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب اخذ الصدقة من الأغنياء ... ، رقم (١٤٩٦) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين، رقم (١٩) .