وعلى ذلك فهؤلاء الملائكة يحفظون الأنام؛ أي يحفظون أعمالهم، ويكتبونها في سجلات تقرأ يوم القيامة، قال الله تعالى:(وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)(الإسراء: الآية١٣)) يعني عمله (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً)(الإسراء: الآية١٣) أي مفتوحاً غير مغلق، لا يكلفه في النظر إليه (اقْرَأْ كِتَابَكَ)(الإسراء: ١٤) يعني يقال: إقرأ كتابك فكل شيء مكتوب (كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)(الإسراء: الآية١٤) .
قال بعض السلف: والله لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك، وهذا صحيح؛ فإن من غاية الإنصاف أن يقدم للإنسان دفتر الحساب ويقال له: أنت حاسب نفسك.
فهؤلاء الملائكة يكتبون ما عمله الإنسان من حسنات، ويكتبون ما عمله من سيئات، لا شك في هذا، لكن هل يكتبون ما صدر منه من لغو - أي ما ليس بحسنة ولا سيئة؟
والجواب: أن هناك قولين للعلماء رحمهم الله: فمنهم من قال: إنهم يكتبونه لكن لا يحاسب الإنسان عليه، ومنهم من قال: إنهم لا يكتبونه؛ لأنه لغو وكتابة اللغو من اللغو، وهؤلاء الملائكة كرام، والكريم كامل الصفات، وكامل الصفات لا يفعل ما هو لغو.
لكن لو قال قائل: هل في الكلام من لغو، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) (١) . وهو إذا صمت لا يكتب عليه شيء، وإن قال؛ قال خيراً؛ أو قال شراً؟
(١) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ... ، رقم (٦٠١٨) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت، رقم (٤٧) .