فقول المؤلف:(من أمر هذا الباب) يعني فتنة القبر وعذاب القبر، كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق ثابت يجب علينا أن نؤمن به، سواء أدركته عقولنا أم لم تدركه، وسواء أدركته حواسنا أم لم تدركه، ومن ذلك عذاب القبر، فيجب علينا أن نؤمن به وإن لم تدركه الحواس.
فلو قال قائل: نبشت قبراً فلم أجد أثرا للتعذيب في جسد ميت، وكان كافراً، قلنا له هذا أمر غيبي لو أراد الله تعالى أن يكون محسوساً لأبرزه، مع أنه قد يكشف عن العذاب في القبر، كما كشف للنبي صلى الله عليه وسلم في الرجلين اللذين يعذبان بالنميمة وعدم التنزه من البول، ووضع عليهما جريدة رطبة وقال:((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)) (١) .
وقد أوردت هنا هذا الحديث مع وضوحه للتنبيه على المسألة من أغرب المسائل، وهي أن بعض الناس إذا دفن الميت أتى بجريدة خضراء، أو شجرة وغرزها في القبر لعلها تخفف عنه ما لم تيبس.
وهذا الفعل إساءة ظن بالميت، فإن كونه يعذب أو لا يعذب هذا من أمور الغيب التي لا يعلمها أحد إلا الله، ثم مع كونها إساءة للميت هي بدعة في دين الله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يضع الجريدة على كل قبر، إنما وضعها على من كشف له أنها يعذبان، ولم يكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم كلما دفن ميتاً أن يضع عليه جريدة، فهذا الفعل جمع بين إساءة الظن بالميت وبين البدعة في دين الله، وهذا من الضلال؛ أن يزين للإنسان سوء العمل