والأحكام الشرعية إذا لم يعلم العلماء حكمتها سموها بالأحكام التعبدية، ولهذا لو قال قائل: ما الحكمة في أن تكون صلاة الظهر أربعا دون ثمان؟ ، قلنا: الحكمة تعبدية ليس للعقل فيها مجال.
فهم يقولون: إن علمت حكمة الحكم فهو حكم معقول المعنى، مع ما فيه من التعبد لله، وإن لم تعلم فهو حكم تعبدي ليس لنا أمامه ألا التعبد. وأيهما أقوى في التعبد: الامتثال لحكم التعبدي أو للحكم المعقول المعنى؟ الأول ابلغ في التذلل، فكونك تقبل الحكم وإن لم تعرف حكمته هذا أبلغ؛ لان كون الإنسان لا يقبل الحكم ألا إذا علم حكمته فيه نوع من الشرك، وهو عبادة الهوى، وأنه إذا وافق الشيء هواه وأدرك حكمته قبله واطمأن إليه ورضي به، وإن لم يكن صار عنده فيه تردد.
والناظر إلى الناس اليوم يجد أن أكثرهم يطلبون العلة العقلية، حتى إن بعضهم إذا قلت له: قال الله ورسوله. يقول: وما الحكمة؟ فهلا علم هؤلاء أنهم مأمورون إن كانوا مؤمنين أن تكون الحكمة عندهم قول الله ورسوله، ولهذا لما سئلت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:((ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟)) فأجابت: ((كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) (١) ، إذا هذه هي الحكمة التي نجيب بها على هذا السؤال، وبهذه الحكمة لا يمكن لأحد أن يتكلم بعد ذلك إن كان مؤمنا.
لكن إذا ذهبنا نأتي بعلل معقولة، قد تكون مقصودة للشرع وقد لا تكون، أوردوا علينا وناقضونا؛ لان هؤلاء إنما يريدون الجدل، فكلما أتيت
(١) رواه مسلم، كتاب الحيض، باب وجود قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، رقم (٣٣٥) .