جاء أعرابي مسلما لكن إسلامه ليس إلى ذاك، يعني ليس ثابتاً، والأعراب يحبون المواشي وبالأخص الغنم والإبل، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم غنماً بين جبلين فذهب إلى قومه وقال: يا قومي، أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة (١) ، ولم يقل: اسلموا تدخلوا الجنة. فانظر كيف ملك هذا المال قلبه، وبهذا نعرف حكمة الله عز وجل أن جعل للمؤلفة قلوبهم نصيباً من الزكاة الواجبة؛ فيعطون من الزكاة من أجل تأليف القلوب، خلافاً لبعض الدعاة الآن حيث يعطونهم من صلف القول ما ينفر قلوبهم.
وهذا يعني أننا لو رجعنا للدين الإسلامي وتأملنا كيف يدعو الناس لدين الإسلام، وجدنا رحمة وعطفاً، ووجدنا أن الإسلام يقابل المخالفين مقابلة الطبيب الحاذق المشفق، لا مقابلة المنتصر الذي يريد أن ينتقم، وهذه مسألة نسأل الله أن يعيننا على تنفيذها في دعوة الخلق إلى الحق.
فمن تمام نعمة الله عز وجل ورحمته وحكمته أيضاً أن أرسل إلى الخلق رسلاً؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل؛ ولأن العقول لا يمكن أن تستقل بمعرفة ما يحبه الله ويرضاه، حتى يقوم الإنسان بفعله، فلابد من إرسال الرسل، وضرورة الناس إلى الرسل أشد من ضرورتهم إلى الطعام والشراب والهواء؛ لأن بالرسل سعادة الدنيا والآخرة، وإذا لم يبعث الرسل بقي الناس جهالا؛ ولهذا كان من علامات الساعة أن يقبض العلم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من صدور الرجال، ولكن يقبضه بموت
(١) رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم (٢٣١٢) .