وكذلك إذا رأينا امرأة كاشفة وجهها، وهي ترى أنه يجوز كشف الوجه للرجال الأجانب فلا ينكر عليها لأنها تعتقد أن هذا هو الدين، لكن لنا أن نمنعها إذا كانت في بلد محافظ وأهله يرون أنه لابد من تغطية الوجه، ولا يكون ذلك من جهة أنه حرام عليها في الشرع لأنها تعتقد أنه حلال، لكن من جهة أن هذا يفسد علينا النساء.
ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يجوز أن نقر أهل الذمة على شرب الخمر ما لم يعلنوه في أسواقنا، فإن أعلنوه منعناهم للإعلان لا لأنه حرام؛ لأنهم معتقدون أنه حلال، وهذه المسألة يجب التفطن لها. صحيح أننا لا ننكر على غيرنا اجتهاده ما دامت المسألة فيها مساغ للاجتهاد، لكننا نمنع ما يكون ضرراً علينا.
إذاً لابد أن نعلم أن هذا الذي ننكره منكر، ولابد أيضاً أن يكون الذي ننكر عليه يرى أنه منكر، فإن كان لا يرى أنه منكر، وهو مما يسوغ فيه الاجتهاد فإنه لا يلزمنا أن ننهى عنه؛ لأن الدين يسر، والصحابة رضي الله عنهم وهم أجل منا قدراً وأحب للائتلاف والاجتماع منا، لا ينكر بعضهم على بعض في مسائل الاجتهاد، وإن كان الحاكم منهم الذي يتولى الحكم قد ينكر على غيره الاجتهاد خوفاً من أن يشيع في المجتمع، كما أنكر أحدهم على عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في مسألة المتعة؛ لأن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يرى جواز المتعة للضرورة، ولكن القول الذي عليه أهل العلم - عامتهم أو أكثرهم - أنه لا يجوز للضرورة؛ لأنه يمكن للإنسان أن يعقد النكاح عقداً شرعياً.