ويدل لهذا قوله تبارك وتعالى:(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)(الأنعام: الآية١٠٨) وجه الدلالة في الآية أن سب آلهة المشركين خير وواجب، فإذا كان يتضمن شراً أكبر منه ترك سبهم، ولما كان سب آلهة المشركين يؤدي إلى أنهم يسبون المنزه عن كل عيب وهو الله عز وجل؛ يسبونه عدواً بغير علم، ونحن إذا سببنا آلهتهم سببناها حقاً بعلم؛ وسببناها عدلاً بعلم وليس عدواً بغير علم، لكن لما كان هذا يتضمن شراً أكبر نهى الله عنه.
وقد مر شيخ الإسلام رحمه الله وصاحب له بجماعة من التتار يشربون الخمر ويسكرون، وكان شيخ الإسلام رحمه الله لا تأخذه في الله لومة لائم فقال له صاحبه: لماذا لم تنههم؟ قال: هم الآن يشربون الخمر وضررهم على أنفسهم، لكن لو نهيناهم وصاروا منتبهين، ذهبوا يقتلون رجال المسلمين، ويأخذون أموالهم، ويعتدون على أعراضهم (١) ، وهذا أعظم ضرراً من شربهم الخمر، فتركهم يشربون الخمر حتى لا يعتدوا على المسلمين، وهذا من فقهه رحمه الله، وهذا واضح عند التأمل، وليس فيه إشكال.
والحاصل أن يشترط إلا يتحول المنكر إلى ما هو أنكر منه، فإذا كان كذلك حرم النهي؛ لأن كونه ينتقل إلى مفسدة أعظم هذا حرام.