خلق الخلق، كما شاء لما شاء، فجعلهم شقياً وسعيداً قبل أن يخرجهم إلى الدنيا، وهم في بطون أمهاتهم، وكتب آجالهم، وكتب أرزاقهم، وكتب أعمالهم، ثم أخرجهم إلى الدنيا، وكل إنسان يسعى فيما كُتِبَ له وعليه.
ثم بعث رسله، وأنزل عليهم وحيه، وأمرهم بالبلاغ لخلقه، فبلغوا رسالات ربهم، ونصحوا قومهم، فمن جرى في مقدور الله عز وجل أن يؤمن آمن، ومن جرى في مقدوره أن يكفر كفر، قال الله عز وجل:(هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير)[التغابن: ٢] أحب من أراد من عباده، فشرح صدره للإيمان والإسلام، ومقت آخرين، فختم على قلوبهم، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فلن يهتدوا أبداً، يضل من يشاء ويهدي من يشاء (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)[الأنبياء: ٢٣] .
الخلق كلهم له، يفعل في خلقه ما يريد، غير ظالم لهم، جل ذكره عن أن ينسب ربنا إلى الظلم، إنما يظلم من يأخذ ما ليس له بملك، وأما ربنا عز وجل فله ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما، وما تحت الثرَّى، وله الدنيا والآخرة، جل ذكره، وتقدست أسماؤه، أحب الطاعة من عباده، وأمر بها، فجرت ممن أطاعه بتوفيقه لهم، ونهى عن المعاصي، وأراد كونها من غير محبته منه لها، ولا للأمر بها، تعالى الله عز وجل أن يأمر بالفحشاء، أو يحبها، وجل ربنا وعز أن يجري في ملكه ما لم يرد أن يجري، أو شيء لم يحط به علمه قبل كونه، قد علم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم، وبعد أن يخلقهم، قبل أن يعملوا قضاء وقدراً.