للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أراد ابن سعد بعمله هذا أن يتمثل المصنفات التي أثارت على صاحبها شكوكا واتهامات كثيرة «٣٢» ، وذلك باخراجها في مصنف يحوي هذه الكتب ويطبق فيه قواعد المحدثين بصرامة شديدة ليتلافى بذلك الأخطاء التي وقع فيها شيخه من حيث تسهله في بعض الأخبار، حتى وصف لأجل ذلك بعبارات مناقضة لما وصف به شيخه الواقدي «٣٣» ، فمن هذه العبارات ما ذكره الخطيب البغدادي في ترجمته لمحمد بن سعد حين قال: " محمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه كان يتحرى في كثير من رواياته" «٣٤» .

أدت هذه الصرامة الشديدة من قبل ابن سعد في تطبيق قواعد المحدثين في الرواية وتقيده بالإسناد إلى أن جعل كتابه الطبقات بعامة، والسيرة منه بخاصة غفلا من الملاحظات والاراء الشخصية على ما يورده من حوادث وأسماء أشخاص شاركوا فيها أو رووها «٣٥» ، فكان ابن سعد لأجل ذلك مجرد جامع للأخبار وليس ناقدا لها «٣٦» .

كل هذه الأمور مجتمعة جعلت من السيرة التي ضمنها ابن سعد كتابه الطبقات محل إعجاب العلماء، وإعجاب الباحثين أيضا حينما جعلوها من


(٣٢) ينظر، الخطيب البغدادي، المصدر نفسه، ٣/ ١٢- ١٨، ابن سيد الناس، عيون الأثر، ص ٢٠- ٢١.
(٣٣) ينظر، ابن خلكان، وفيات الأعيان، ٣/ ٤٧٣، الصفدي، الوافي بالوفيات، ٣/ ٨٨، ابن حجر، تهذيب التهذيب، ٩/ ١٨٢.
(٣٤) تأريخ بغداد، ٥/ ٣٢٢.
(٣٥) هوروفتس، المغازي الأولى ومؤلفوها، ص ١٣٠.
(٣٦) حاطوم، مدخل إلى التأريخ، ص ٢٣٧.

<<  <   >  >>