يطرحونها على المهتمين بأخبار السيرة وأحداثها حول بعض المواقف والتصرفات التي بدرت من الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم أو من المسلمين أثناء سير الدعوة، حتى كانت هذه المدونات، فضلا عما تناقلته الألسن من وصف لبعض الحوادث، هي المادة الأولى لكتابات الجيل الثاني من التابعين وتابعي التابعين الذين دونوا بعض أحداث السيرة بشمولية واتساع أكثر من سابقيهم ليكونوا بمجهودهم هذا الأساس الذي استندت إليه المصنفات الشاملة والمبوبة لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وأحواله.
ثالثا: وقفت الدولة الأموية متمثلة بخلفائها وولاتها، إلا الخليفة عمر بن عبد العزيز، موقفا مضادا من كتابة سيرة شاملة للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وذلك لشعور يختلج في نفوسهم أن كتابة السيرة النبوية بتفاصيلها معناها تشهير بمثالب آبائهم وأجدادهم ومواقفهم السلبية تجاه الإسلام والرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، من جراء ذلك تأخرت كتابة أول سيرة شاملة للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم حتى بداية العصر العباسي أي بعد ما يقارب القرن ونصف القرن من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم.
رابعا: بالضد من الموقف الذي انتهجته الدولة الأموية في تحجيم تدوين أحداث السيرة، أتبعت الدولة العباسية متمثلة بخلفائها الأوائل سياسة مغايرة للسياسة الأموية، إذ سمحت بكتابة أول سيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، ولم تقتصر على ذلك، بل دعمت وشجعت ذلك، وقربت المهتمين بأخبار السيرة وأغدقت الهبات عليهم، ولكن هذا الاهتمام والدعم لم يكن يجري دون تنازلات تذكر، بل صاحب ذلك شطب بعض الروايات وحذفها ولا سيما