للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قطع الإمام مالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ) بريادة الزهري في إسناد الحديث، إذ يعده أول من تبنى إسناده «١٥٠» ، وهذا ما جعل أحد الباحثين يعطي للزهري دورا كبيرا في تاريخ الحديث إذ يقول: " ويتضح لنا من بحث سلاسل أسانيد الحديث أن اسم الزهري يحتل معظم المكان الثاني بعد أسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وهذا ما يجعلنا نقرر له دوره الكبير في تأريخ الحديث" «١٥١» .

تمثلت النقلة المنهجية في الإسناد الذي تبناه الزهري في رواياته هي كتابة أسانيد متعددة لرواية واحدة أو التي تكمل بعضها بعضا، إذ أطلق على هذا الإسناد (الإسناد الجمعي) «١٥٢» .

ومما يدل على أهمية الإسناد عند الزهري، أنه طلب منه أحد جلسائه ذات يوم أن يأتي بحديث من دون إسناد فقال الزهري له: " أيرقى السطح بلا سلّم؟ " «١٥٣» ، وعلق على راو لا يسند حديثه: " قاتلك الله ... ما أجرأك على الله ألا تسند حديثك؟ تحدثنا بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة" «١٥٤» .

بينت لنا هاتان الروايتان مدى تشدد وصرامة الزهري بإسناد الأحاديث والروايات، وفي شحذ همم الرواة والمحدثين بذكر أسانيد رواياتهم؛ الأمر الذي


(١٥٠) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل، ٤/ ١/ ٧٤.
(١٥١) سزكين، تأريخ التراث العربي، ١/ ٤٨.
(١٥٢) ينظر، الدوري، بحث في نشأة علم التأريخ عند العرب، ص ٩٤.
(١٥٣) السيوطي، عبد الرحمن، تدريب الراوي، المطبعة الميمنية، القاهرة، ١٩٢٤، ص ٣٥٩.
(١٥٤) الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، (ت ٤٠٥ هـ) ، معرفة علوم الحديث، تصحيح معظم حسين، دار الافاق الجديدة، بيروت، ط ٣، ١٩٧٩، ص ٦، الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية، دائرة المعارف العثمانية، الهند، ١٩٧٢، ص ٥٥٦.

<<  <   >  >>