للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ممن هذا حاله فهو واقع في هذا الخطر، ولا ينفعه الزهد والصلاح، وإنما ينفعه الاعتقاد الصحيح المطابق لكتاب الله وسنة رسوله، لأن العقائد الدينية لا يعتد بها إلا ما أخذت منهما.

٢- ومنها الإصرار على المعاصي: فإن من له إصرار عليها يحصل في قلبه إلفها، وجميع ما ألفه الإنسان في عمره يعود ذكره عند موته، فإن كان ميله إلى الطاعات أكثر، يكون أكثر ما يحضره عند الموت ذكر الطاعات، وإن كان ميله إلى المعاصي أكثر، يكون أكثر ما يحضره عند الموت ذكر المعاصي، فربما يغلب عليه حين نزول الموت به قبل التوبة شهوة ومعصية من المعاصي، فيتقيد قلبه بها، وتصير حجاباً بينه وبين ربه، وسبباً لشقاوته في آخر حياته لقوله صلى الله عليه وسلم: " المعاصي بريد الكفر ".

والذي لم يرتكب ذنباً أصلاً، أو ارتكب وتاب فهو بعيد عن هذا الخطر، وأما الذي ارتكب ذنوباً كثيرة حتى كانت أكثر من طاعاته ولم يتب عنها، بل كان مصراً عليها، فهذا الخطر في حقه عظيم جداً إذ قد يكون غَلَبَةُ الإلف بها سبباً لأن يتمثل في قلبه صورتها، ويقع منه ميل إليها، وتقبض روحه عليها فيكون سبباً لسوء خاتمته.

ويعرف ذلك بمثال، وهو أن الإنسان لا شك أنه يرى في منامه من الأحوال التي ألفها طول عمره، حتى إن الذي قضى عمره في العلم يرى من الأحوال المتعلقة بالعلم والعلماء، والذي قضى عمره في الخياطة يرى من الأحوال المتعلقة بالخياطة والخياط إذ لا يحضر في حال النوم إلا ما حصل له مناسبة مع قلبه لطول الألف.

والموت وإن كان فوق النوم لكن سكراته وما يتقدمه من الغشي قريب من النوم، فطول الإلف بالمعاصي يقتضي ذكرها عند الموت، وعودها في القلب وتمثلها فيه وميل النفس إليها، وإن قبض روحه في تلك الحالة يختم له بالسوء ".

<<  <   >  >>