للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يدخل عليها، فدهنته وأعطته منه شيئاً في قارورة، فلما شمه عمرو عرفه، وقال له عند ذلك أشهد أنك قد صدقت، ولقد أصبت شيئاً ما أصاب أحد من العرب مثله «١» ، امرأة الملك، ما سمعنا مثل هذا، وكانوا أهل جاهلية، وكان ذلك في أنفسهم فصلاً لمن أصابه وقدر عليه، ثم إنه سكت عنه حتى إذا اطمأن دخل عمرو على النجاشي فقال: أيها الملك معي سفيه من سفهاء قريش، وقد خشيت أن يعزى عندك أمره، وقد أردت أن أرفع إليك شأنه ولم أعلمك ذلك حتى استثبت أنه قد دخل على بعض نسائك فأكثر، وهذا دهنك قد أعطته وادهن به، فلما شم النجاشي الدهن، قال: صدقت هذا دهني الذي لا يكون إلا عند نسائي، ثم دعي بعمارة بن الوليد، ودعا بالسواحر فجردنه من ثيابه ثم أمرهن فنفخن في احليله، ثم خلى سبيله فخرج هارباً في الوحش، فلم يزل بأرض الحبشة حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخرج إليه رجال من بني المغيرة منهم عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة، وكان اسم عبد الله قبل أن يسلم بجير، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، فرصده بأرض الحبشة بماء كان يرده مع الوحش، فذكروا أنه أقبل في حمر من حمر الوحش يرد معها، فلما وجد ريح الأنس هرب حتى أجهده العطش، فورد فشرب حتى إذا امتلأ خرجوا في طلبه، قال عبد الله بن أبي ربيعة: فسبقت إليه فالتزمته، فجعل يقول: أي بجير أرسلني فإني أموت إن أمسكتني، قال عبد الله: فضبطته فمات في يدي مكانه، فواريته ثم انصرفنا، وكان شعره فيما يزعمون قد غطى كل شيء منه، فقال عمرو، وهو يذكر ما صنع به وما أراد من امرأته:

تعلم عمار إن من شر شيمة ... لمثلك أن يدعا ابن عم لكائن ما

أإن كنت ذا بردين أحوى مرحلا ... فلست ترأى لابن عمك محرما

إذا المرء لم يترك طعاماً يحبه ... ولم ينه قلباً غاوياً حيث يمما


(١) في ع: ما له.

<<  <   >  >>