وكانت قريش ومن سواهم من العرب إذا اجتهدوا في الدعاء، سجعوا وألفوا الكلام، وكانت فيما يزعمون قلما ترد إذا دعا بها داع.
[استعاذة الغلام البكري بالكعبة.]
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الله بن خريت- وكان قد أدرك الجاهلية- قال: لم يكن من قريش فخذ إلا ولهم ناد معلوم في المسجد الحرام يجلسونه، فكان لبني بكر مجلس تجلسه، فبينا نحن جلوس في المسجد، إذ أقبل غلام، فدخل من باب المسجد مسرعاً حتى تعلق بأستار الكعبة، فجاء بعده شيخ يريده، حتى انتهى إليه، فلما ذهب ليتناوله يبست يداه، فقلنا ما أخلق هذا أن يكون من بني بكر، فتحقبناه العرب مع ما تحدث به عنا، فقمنا إليه، فقلنا: ممن أنت؟ فقال: من بني بكر، فقلنا: لا مرحبا بك، ما لك ولهذا الغلام؟ فقال الغلام: لا والله «١» ، إلا أن أبي مات ونحن صبيان صغار، وأمنا مؤتمة لا أحد لها، فعاذت بهذا البيت، فنقلتنا إليه وأوصت فقالت: إن ذهبت وبقيتم بعدي فظلم أحد منكم، أو ركب بكم أمر، فمن رأى هذا البيت فليأته فيتعوذ به فإنه سيمنعه، وإن هذا أخذني واستخدمني سنين، واسترعاني إبله، فجلب من إبله قطيعاً، فجاء بي معه، فلما رأيت البيت ذكرت وصاة أمي، فقلنا: قد والله أرى منعك، فانطلقنا بالرجل، وإن يديه لمثل العصوين قد يبستا، فأحقبناه على بعير من إبله، وشددناه بالحبال، ووجهنا إبله، وقلنا: انطلق لعنك الله.
[خبر الصديق مع رجل أنيبته حية.]
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد عن أبي بكر أنه قال: كنت امرءاً تاجراً، فسلكت ثنيه في سفر لي، فإذا رجل منها يقول: أتؤمني أؤمنك؟ فقلت: نعم، فقال:
أدنه، فأتيته، فإذا هو نهيش قد أنيبته حيه أصابته، فقال: يا عبد الله هل
(١) كذا في الأصل، ويبدو أن جواب الشيخ البكري سقط كما سقط بعض من جواب الغلام.