للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اليوم يا أبة لقد أخذت بيدك حتى أعرفك حديثك اليوم، فأسلم الحارث بعد ذلك، فحسن اسلامه، وكان يقول حين أسلم: لو قد أخذ ابني بيدي فعرفني ما قال لم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة.

نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان لأبي بكر مسجد بفناء داره، فكان إذا صلى فيه وقرأ القرآن بكى بكاء كبيرا، فتجتمع إليه النساء والصبيان والعبيد يعجبون مما يرون من رقته، وقد كان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة حين أوذوا بمكة، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى كان من مكة على يومين لقيه ابن الدغنة، رجل من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وكان سيد الأحابيش «١» ، فقال له: أين يا أبا بكر؟ فقال: آذاني قومي وأخرجوني من بلادي، فأود أن أؤم بلداً أكون فيه، أستريح من أذاهم، وآمن منهم، فقال: ولم؟ فو الله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النائبة، وتفعل المعروف، وتكسب المعدم، ارجع فأنت في جواري، فرجع، فلما دخل مكة قام (١١٦) فصرخ بمكة: يا معشر قريش إني قد أجرت ابن أبي قحافة، فلا يؤذيه أحد، وكانوا إذا عقدوا فنخ «٢» ، وكف عنه هذا الحي من قريش، وكان إذا صلى في مصلاة ذلك بمكة كان من أمره ما وصفت، فمشى إليه رجال من قريش، فقالوا: يا ابن الدغنة إن هذا الرجل الذي أجرت، رجل له حال ما هو لغيره، إنه إذا تلا ما جاء به محمد بكى بكاء لا يبكيه أحد، فيرق لذلك منه ضعفاؤنا ونساؤنا وخدمنا، فمره فليكف عنا، يتخذ مصلى غير هذا في بيته، فمشى إليه ابن الدغنة فقال: يا أبا بكر إني لم أجرك لتؤذي قومك، فاتخذ مصلى غير هذا، فقال أبو بكر:

أو غير ذلك؟ فقال: وما هو؟ قال: أرد عليك جوارك، وأرضى بجوار الله فقال: نعم، فقال أبو بكر: لقد رددت عليك جوارك، فقال ابن الدغنة: يا معشر قريش إن أبا بكر قد رد علي جواري، فشأنكم بصاحبكم.


(١) اختلف في تحديد هوية الأحابيش وأصلهم مع ما كانوا يقومون به من وظائف في مكة، انظر الروض: ٢/ ١٢٣- ١٢٧.
(٢) غلب وقهر.

<<  <   >  >>