بولادتهم إياهم، يحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم، وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك، ثم ابتدعوا في ذلك أموراً لم تكن، فقالوا: لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط، ولا يسلوا السمن وهم حرم، ولا يدخلوا بيتاً من شعر ولا يستظلوا إلا في بيوت الأدم ما داموا حراماً، ثم رفعوا في ذلك فقالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا جاءوا حجاجاً أو عماراً، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس، فإن لم يجدوا شيئاً منها طافوا بالبيت عراة، فإن تكرم منهم متكرم من رجل أو امرأة لم يجد ثوباً من ثياب الحمس، فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل، ألقاها إذا فرغ من طوافه، لم ينتفع بها، ولم يمسها، ولا أحد غيره أبداً، وكانت العرب تسمى تلك الثياب اللقى، فحملوا العرب على ذلك فدانت به، ووقفوا على عرفات، وأفاضوا منها، فأطافوا بالبيت عراة، وأخذوا بها شرعوا لهم من ذلك، فكان أهل الحل يأتون حجاجاً وعماراً، فإذا دخلوا الحرم وضعوا أزوادهم التي جاءوا بها، وابتاعوا من طعام الحرم والتمسوا ثياباً من ثياب الحرم إما عارية وإما بإجارة، فطافوا فيها، فإن لم يجدوا طافوا عراة، أما الرجال فيطوفون عراة، وأما النساء فتضع احداهن ثيابها كلها إلا درعاً تطرحه عليها، ثم تطوف فيه، فقالت امرأة من العرب وهي كذلك تطوف:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها ألقاها فلم ينتفع بها هو ولا غيره، فقال قائل من العرب يذكر شيئاً تركه لا يقر به وهو يحبه:
كفى حزناً كري عليه كأنه ... لقى بين أيدي الطائفين حريم
يقول: لا تمس. فكانوا كذلك حتى بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم «١» .
(١) جاء في حاشية الأصل: آخر الجزء الأول من المغازي، سمع من ... الى هنا-