وقد كان أبو محكم الجسري يجتمع إليه إخوانه، وكان حكيماً، فإذا تلى الآية السابقة بكى، ثم قال:" إن القيامة ذهبت فظاعتها بأوهام العقول، أما والله لئن كان القوم في رقدة مثل ظاهر قولهم، لما دعوا بالويل عند أول وهلة من بعثهم، ولم يوقفوا بعد موقف عرض ولا مسألة إلا وقد عاينوا خطراً عظيماً، وحقت عليهم القيامة بالجلائل من أمرها، ولكن كانوا في طول الإقامة في البرزخ يألمون ويعذبون في قبورهم، وما دعوا بالويل عند انقطاع ذلك عنهم، إلا وقد نقلوا إلى طامة هي أعظم منه، ولولا أن الأمر على ذلك ما استصغر القوم ما كانوا منه، فسموه رقاداً، وإن في القرآن لدليلاً على ذلك:(فإذا جاءت الطامة الكبرى)[النازعات: ٣٤] ، ثم يبكي حتى يبل لحيته "(١) .
٤- ويضيف نص آخر ملامح جديدة إلى صورتهم حال بعثهم، فأبصارهم لشدة الهول شاخصة جاحظة، وأفئدتهم خالية إلا من الهول الذي يحيط بهم، قال تعالى:(وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ - مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء)[إبراهيم: ٤٢-٤٣] .
يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله وأجزل له المثوبة - في تفسير هذه الآيات: "والرسول صلى الله عليه وسلم - لا يحسب الله غافلاً عما يعمل الظالمون، ولكن ظاهر الأمر يبدو هكذا لبعض من يرون الظالمين يتمتعون، ويسمع بوعيد الله، ثم لا يراه واقعاً بهم في الحياة الدنيا، فهذه الصيغة تكشف عن الأجل