للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فكذلك الجن المؤمنون جعل لهم الرسول صلى الله عليه وسلم طعاماً كل عظم ذكر اسم الله عليه، فلم يبح لهم متروك التسمية، ويبقى متروك التسمية لشياطين كفرة الجن، فإن الشياطين يستحلون الطعام إذا لم يذكر عليه اسم الله، ولأجل ذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الميتة طعام الشياطين؛ لأنه لم يذكر اسم الله عليها.

واستنتج ابن القيم من قوله تعالى: (إنَّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشَّيطان) [المائدة: ٩٠] أن المسكر شراب الشيطان، فهو يشرب من الشراب الذي عمله أولياؤه بأمره، وشاركهم في عمله، فيشاركهم في شربه، وإثمه وعقوبته.

ويدل على صحة استنتاج ابن القيم ما رواه النسائي عن عبد الله بن يزيد قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " أما بعد: فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان؛ فإن له اثنين، ولكم واحد " (١) .

المطلب الثاني

تزاوج الجن وتكاثرهم

الذي يظهر أن الجن يقع منهم النكاح، وقد استدل بعض العلماء على ذلك بقوله تعالى في أزواج أهل الجنة: (لم يَطْمِثْهُنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ) [الرحمن: ٥٦] . والطمث في لغة العرب: الجماع، وقيل هو الجماع الذي يكون معه تدمية تنتج عن الجماع.

وذكر السفاريني حديثاً يحتاج إلى نظر في إسناده، يقول: (إن الجن يتوالدون، كما يتوالد بنو آدم، وهم أكثر عدداً) (٢) .

وسواء أصح هذا الحديث أم لم يصح، فإن الآية صريحة في أن الجن يتأتى منهم الطمث، وحسبنا هذا دليلاً.

وأخبرنا ربنا أن الشيطان له ذرية، قال تعالى مبكتاً عباده الذين يتولون الشيطان وذريته: (أفتتخذونه وذريَّته أولياء من دوني وهم لكم عدو) [الكهف: ٥٠] ، وقال قتادة: " أولاد الشيطان يتوالدون كما يتوالد بنو آدم، وهم أكثر عدداً " (٣) .

المطلب الثالث

دعوى بعض أهل العلم أن الجن لا يأكلون

ولا يشربون ولا يتناكحون

وقد زعم قوم أن الجن لا يأكلون ولا يشربون، ولا يتناكحون، وهذا القول تبطله الأدلة التي سقناها من الكتاب والسنة.

وذكر بعض العلماء أن الجن أنواع: منهم من يأكل ويشرب، ومنهم من ليس كذلك؛ يقول وهب بن منبه: " الجنّ أجناس، فأمّا خالص الجن فهم ريح لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يموتون، ولا يتوالدون، ومنهم أجناس يأكلون، ويشربون، ويتوالدون، ويتناكحون، ويموتون، قال: وهي هذه السعالي والغول وأشباه ذلك ". أخرجه ابن جرير (٤) .


(١) صحيح سنن النسائي: ٣/١١٥٤. ورقمه: ٥٢٧٥.
(٢) رواه ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في: العظمة، عن قتادة.
(٣) لقط المرجان: ص٥١.
(٤) لوامع الأنوار: ٢/٢٢٢.

<<  <   >  >>