وقد بين ابن القيم الحكمة في الاستعاذة بالله من الشيطان حين قراءَة القرآن، فقال:
١- " إن القرآن شفاء لما في الصدور يذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة، فهو دواء لما أمره الشيطان فيها، فأمر أن يطرد مادة الداء، ويخلي منه القلب، ليصادف الداء محلاً خالياً، فيتمكن منه، ويؤثر فيه، كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ××× فصادف قلباً خالياً فتمكنا
فيجيء هذا الدواء الشافي إلى القلب، وقد خلا من مزاحم ومضاد له، فينجع فيه.
٢- ومنها: أن القرآن مادة الهدى والعلم والخير في القلب، كما أنّ الماء مادة النبات، والشيطان نار يحرق النبات أولاً فأولاً، فكلما أحسّ بنبات الخير من القلب، سعى في إفساده وإحراقه، فأمر أن يستعيذ بالله - عزّ وجلّ - منه، لئلا يفسد عليه ما يحصل له بالقرآن.
والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أن الاستعاذة في الوجه الأول لأجل حصول فائدة القرآن، وفي الوجه الثاني لأجل بقائها وحفظها.
٣- ومنها: أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن، وتستمع لقراءته، كما في حديث أسيد بن حضير لما كان يقرأ ورأى مثل الظلة فيها المصابيح، فقال عليه الصلاة والسلام:(تلك الملائكة) ، والشيطان ضد الملك وعدوه، فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه، حتى يحضره خاص ملائكته، فهذه منزلة لا يجتمع فيها الملائكة والشياطين.
٤- ومنها: أن الشيطان يجلب على القارئ بخيله ورجله، حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به سبحانه، فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل