للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

معي ابناً لي، أو ابن أخت لي مجنون، أتيتك به فتدعو الله له، قال: (ائتني به) فانطلقت إليه، وهو في الركاب، فأطلقت عنه، وألقيت عنه ثياب السفر، وألبسته ثوبين حسنين، وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال: (أدنه مني، واجعل ظهره مما يليني) . قال: فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله، فجعل يضرب ظهره، حتى رأيت بياض إبطيه، ويقول: (اخرج عدو الله، اخرج عدو الله) .

فأقبل ينظر نظر الصحيح، ليس بنظره الأول. ثم أقعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه، فدعا له، فمسح وجهه، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل عليه. رواه الطبراني (١) .

وفي المسند أيضاً عن يعلى بن مرّة قال: " لقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ما رآها أحد قبلي، ولا يراها أحد بعدي.

لقد خرجت معه في سفر، حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامراة جالسة معها صبي لها، فقالت يا رسول الله: هذا الصبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء، يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة، قال: (ناولينيه) ، فرفعته إليه، فجعلته بينه وبين واسطة الرحل، ثم فغر (فاه) ، فنفث فيه ثلاثاً، وقال (بسم الله، أنا عبد الله، اخسأ عدو الله) ، ثم ناولها إياه، فقال: (القينا في الرجعة في هذا المكان، فأخبرينا ما فعل) قال: فذهبنا، ورجعنا، فوجدناها في ذلك المكان، معها ثلاث شياه، فقال: (ما فعل صبيك؟) ، فقالت: والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئاً حتى الساعة، فاجترر هذه الغنم، قال: (انزل خذ منها واحدة، ورد البقية) (٢) .

وعن عثمان بن أبي العاص؛ قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف، جعل يعرض لي شيء في صلاتي، حتى ما أدري ما أُصلي، فلما رأيت ذلك، رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:

(ابْنُ أَبِي العاصِ؟) قلت: نعم: يا رسول الله! قال: (ما جاء بك؟) ، قلت: يا رسول الله! عرض لي شيء في صلواتي، حتى ما أدري ما أصلي. قال: (ذلك الشيطانُ. فادْنُهْ) فدنوت منه. فجلست على صدور قدمي. قال، فضرب صدري بيده، وتفل في فمي، وقال: (اخرُجْ. عَدُوّ الله!) ففعل ذلك ثلاث مرات. ثم قال: (الحق بعَمَلكَ) (٣) .

وإذا ابتلي المصروع، ولم يجد علاجاً فصبر على بلواه، فإن له عند الله أجراً عظيماً، ففي صحيح البخاري عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي عطاء بن أبي رباح: (قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي. قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك) . فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها ".

حدثنا محمدٌ أخبرنا مخلدٌ عن ابن جريج أخبرني عطاء: أنه رأى أم زفر، تلك المرأة الطويلة السوداء، على ستر الكعبة (٤) . وذكر ابن حجر أن هذه المرأة قالت: " إني أخاف الخبيث أن يجردني " (٥) .

فالرسول صلى الله عليه وسلم أخرج الجني بالأمر والنهر واللعن، ولكن هذه لا تكفي وحدها، فإنّ لقوة الإيمان وثبات اليقين وحسن الصلة بالله أثراً كبيراً في هذا، يدلك على ذلك ما سنورده في الواقعة التالية.

الإمام أحمد يأمر الجني بالخروج فيستجيب:

روي أنّ الإمام أحمد كان جالساً في مسجده، إذ جاءَه صاحب له من


(١) مجمع الزوائد: ٩/٢. وقال الهيثمي فيه: وأم أبان لم يرو عنها غير مطر. وذكر الهيثمي الحديث من رواية أحمد في مسنده بأخصر مما ذكره الطبراني. وقال: فيه هند بنت الوازع لم أعرفها، وبقية رجاله ثقات.
(٢) رواه أحمد في مسنده: ٤/١٧٠، وروى الدارمي، (١/١٥. ورقمه: ١٧) هذه القصة بلفظ مقارب عن جابر رضي الله عنه.
(٣) صحيح سنن ابن ماجة: ٢/٢٧٣. ورقمه: ٢٨٥٨.
(٤) صحيح البخاري: ١٠/١١٤. ورقمه: ٥٦٥٢.
(٥) فتح الباري: ١٠/١١٥.

<<  <   >  >>